يتلازم الحديث عن التجربة الانتخابية الكويتية مع مفردة «العرس الديموقراطي»، تعبيراً عن الابتهاج الوطني بقدرة هذه الدولة على اجتراح تجربة مشاركة سياسية في محيط شديد التعويل على الأداء السلطوي للأنظمة. عرس فقد رونقه مع تحول الانتخابات إلى فولكلور سنوي، بسبب تكرار حل مجلس الأمة
مي الصايغ

خريطة مجلس النواب وإعادة انتاج الأزمات


تأتي انتخابات مجلس الأمة الكويتي، المقرّرة اليوم، من دون احتفاء إعلامي أو ابتهاج شعبي، داخل البلاد أو خارجها، فاقدةً تعبير «العرس»، الذي لازمها على مدى أكثر من أربعة عقود من عمر الممارسة البرلمانية. حال انعكست على وكالات الأنباء العالمية، التي اكتفت بالإشارة إلى أنّ الكويت على موعد مع انتخابات برلمانية مبكرة في السادس عشر من أيار، في أعقاب حل مجلس الأمة، وهي ثاني انتخابات برلمانية تشهدها البلاد في غضون سنة، وثالث انتخابات مبكرة في تاريخ البرلمان في هذا البلد الخليجي، الذي هزته سلسلة من الأزمات السياسية المتكررة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. أزمات أضحت مادة إعلامية يومية يفطر عليها المواطن الكويتي.
معركة «كسر عظم» يخوضها اليوم 211 مرشحاً، بينهم 17 امرأة، للتنافس على أصوات 384790 كويتياً، يختارون خمسين نائباً من بين جماعات سياسية هي بمثابة أحزاب بحكم الأمر الواقع، وسط حظر تأليف الأحزاب السياسية في الكويت. جماعات تتوزع بين ليبرالية مثل «المنبر الديموقراطي» و«تكتل العمل الشعبي» المعارض، بقيادة رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون. ودينية مثل «التجمع السلفي الإسلامي» الموالي للحكومة، و«الحركة الدستورية الإسلامية» المرتبطة بالإخوان المسلمين، و«الائتلاف الإسلامي الوطني» و«تحالف العدالة والسلام» اللذين يقودهما الشيعة، إلى جانب العديد من ممثلي القبائل. كما أنّ هناك مجموعات لا تخوض الانتخابات بمرشحين، بل تدعم بعض الترشيحات، كحزب الأمة السلفي الذي لم تعترف به السلطات، و«الحركة السلفية» المناوئة للحكومة، و«التحالف الوطني الديموقراطي».
ويرجّح أن يحتفظ القبليون والإسلاميون المستقلون بنفوذهم، مع وقوع دائرتين من الدوائر الانتخابية الخمس في مناطق قبلية، لذا يبدو أنّ 20 من المقاعد الـ50 باتت مضمونة. فالقبائل، التي يمثّل أفرادها أكثر من نصف عدد الناخبين، قامت خلال الأيام الماضية بانتخاباتها الداخلية (المحظورة قانوناً)، غير مبالية بالإجراءات الأمنية والقانونية، التي تطال من ينظم ويشارك في مثل هذه الانتخابات.
واستُدعي عشرات من هؤلاء إلى النيابة العامة للتحقيق معهم. لكن الحكومة لم تلجأ هذه المرة إلى حملات الدهم والضبط والاعتقال، التي سببت العام الماضي صدامات بين رجال الأمن وناخبي القبائل.
ومثّلت نتائج الانتخابات الفرعيّة إشارة إلى تغيير كبير مقبل في الدائرتين الانتخابيتين الرابعة والخامسة، حيث الثقل الأكبر للقبائل، إذ وقع الاختيار على مرشحي «الخدمات» ذوي العلاقة الأفضل مع الحكومة، وكأنّ بعض القبائل قامت بانقلاب كامل على نوابها السابقين. ومع ذلك، فإنه من المتوقع أن تعيد القبائل الثقة في نوابها الأعلى صوتاً في المعارضة البرلمانية، مثل مسلم البراك ومحمد هايف وضيف الله بورمية، الذين يرفضون الدخول في لعبة الانتخابات القبلية.
أمّا التيارات السلفية، التي مثّلت قوة أساسية في البرلمان المنحل، فمن المرتقب أن تخسر جزءاً من قوتها، على ألا يزيد حجم التغيير عن المجالس السابقة أكثر من 35 في المئة؛ فالإسلاميون ليسوا بعيدين عن مشكلة تآكل الشعبية، فكل من «الحركة الدستورية الإسلامية» والسلفيين التقليديين، ضمن تيار «جمعية إحياء التراث»، لن يتمكنوا من تحقيق نتائج أفضل بسبب أخطاء سياسية ارتكبها كل من الفريقين في الشهور القليلة الماضية.
لكن الإسلاميين المستقلين، مثل النواب السابقين وليد الطبطبائي وفيصل المسلم ومحمد هايف المطيري، يحتفظون بفرص أكبر للفوز، رغم الحملات الإعلامية القوية ضدهم من طرف الليبراليين والصحف القريبة من الحكومة.
شيعياً، يبدو أنّ الدائرة الأولى التي يتركز فيها الثقل الأكبر للناخبين الشيعة، الذين تقدر نسبتهم بـ15 في المئة من مجموع الناخبين في الكويت، شهدت جهوداً كبيرة من «التحالف الوطني الإسلامي»، وهو الفريق الشيعي الأقرب الى «فكر الثورة الإيرانية»، لتحسين فرص حصوله على عدد أكبر من المقاعد الـ5 التي حصل عليها في الانتخابات السابقة.
على المقلب الآخر، لا يتوقع أن يحقق الليبراليون، الذين تراجعت نسبة التأييد لهم، نتائج أفضل من الانتخابات السابقة. ويرجع الليبراليون أسباب أزمتهم الشعبية إلى «تسمم الساحة الانتخابية» و«غلبة النعرات الطائفية والقبلية».
ويبقى النظر إلى الخريطة الانتخابية الكويتية ناقصاً بمعزل عن فهم طبيعة النظام الديموقراطي الفريد من نوعه، وما يجري في كواليس الأسرة الحاكمة. فغالباً ما يوصف النظام الكويتي بأنه «نصف ديموقراطية»، إذ إنه يحظر قيام الأحزاب، لكنه في المقابل يعطي النواب صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة. وليس للبرلمان دور في تأليف الحكومة، التي يرأسها تقليدياً عضو في أسرة الصباح الحاكمة التي تسيطر أيضاً على الحقائب الوزراية الأساسية، مثل الداخلية والدفاع والنفط. ولا يتوجب على الحكومة أن تحصل على ثقة البرلمان، كما أن غالبية الوزراء في الحكومة ليسوا نواباً منتخبين، إلا أنهم يحظون بمقعد في البرلمان وبحق التصويت. ويمكن النواب أن يستجوبوا الوزراء فردياً، وأن يحجبوا الثقة عنهم، إلا أن البرلمان لا يمكن أن يحجب الثقة عن الحكومة ككل.
وانطلاقاً من هذا الواقع، يعزو المحللون السياسيون دوافع تكرار الأزمة السياسية في الكويت إلى غياب الحياة الحزبية المقننة، وضعف الحكومة أمام البرلمان، وتعسف النواب في استخدام حق الاستجواب.
ويستبعد رئيس «الجمعية الكويتية لتنمية الديموقراطية»، ناصر العبدلي، أن «تأتي الانتخابات بالاستقرار السياسي المنشود. نعم، ستتغير الوجوه، ولكن ليس السياسات، فالبرلمان المقبل لن يكمل ولايته» المحددة بأربع سنوات، مشيراً إلى أنّ «هناك حاجة إلى تغييرات جذرية في النظام السياسي والديموقراطي الكويتي، بما في ذلك الحاجة إلى دستور جديد».

«تيارات الأسرة الحاكمة» وخيارات الأمير


«تيارات الأسرة الحاكمة» تلعب دوراً في حال التأزم التي تعيشها البلاد. أسباب الخلاف لا تزال مبهمة، لكن دلالاتها واضحة، وحلولها قد تكون بيد الأمير صباح الأحمد في العشرين من أيار، يوم تسمية رئيس جديد للحكومةيلحظ المتتبع لحراك الساحة الكويتية الأثر الكبير لما يسمى «تيارات الأسرة الحاكمة» وعدم توحد رؤيتها التي يتقاسمها جناحا السالم والجابر. اختلاف تجلّى عام 2006، حين شهدت الأسرة صراعاً من أجل السلطة بعد إقالة الأمير السابق الشيخ سعد العبد الله الصباح لأسباب صحية بتصويت غير مسبوق في البرلمان المنتخب. واعتبر تعيين الشيخ صباح الأحمد، الذي ينتمي إلى جناح الجابر، خروجاً على تقليد معمول به منذ فترة طويلة لتقاسم السلطة بين فرعي الأسرة الحاكمة (الجابر والسالم).
وبمرور الوقت، بدأت تُسمع أصوات تدعو إلى عملية إصلاح داخل العائلة الحاكمة وتعيين رئيس وزراء من خارج آل الصباح، فيما يدعو آخرون إلى دمج منصب ولاية العهد بمنصب رئيس الحكومة لإعطاء الهيبة لهذا الموقع وإبعاده عن فخ الاستجواب.
ويرى كثيرون أن خلافات الأسرى الحاكمة، تمثّل السبب الأبرز في الأزمات الحكوميّة المتعاقبة في الكويت. ويقول النائب السابق، وليد الطبطبائي (سلفي)، «إن أول من حارب رئيس الوزراء هم أبناء عمه وهذا الأمر يجب حسمه»، مشدداً على أنّ «حق اختيار رئيس الوزراء هو للأمير وحل مشكلة الأسرة ضرورة ليستقيم أداء مجلسي الوزراء والأمة».
كذلك، هدد النائب السابق، حسين القلاف، بفتح النار على «الخلافات المستفحلة» وظهورها للعلن بين أبناء أسرة الصباح، متوعداً بفضح «كل كبيرة وصغيرة تتعلق بتلك الخلافات إذا ما استمرت في المرحلة المقبلة».
أمّا مرشح «المنبر الديموقراطي» عن الدائرة الثالثة، صالح الملا، فاعتبر أنّ «أسلوب لعبة الكراسي الخمسة في الأسرة الحاكمة هو أحد أسباب المشكلة، ولا بد من إتاحة الفرصة أمام الكفاءات من أبناء الأسرة المهمشين». وكشف عن وجود فريق «لم يؤمن يوماً بالدستور»، لافتاً إلى أنّ «هذا الفريق حاول العبث عبر استخدام الأدوات الدستورية المتمثلة في استجوابات لا ترقى إلى أن تكون حتى أسئلة».
ويؤكد متابعون أن حلّ الخلافات ومنع انعكاسها على البلاد في يد الأمير صباح الأحمد في 20 أيار، تاريخ تكليف رئيس الحكومة. وبحسب ما يظهر حالياً، فإنّ الترشيحات محدودة في ثلاثة من أقطاب الأسرة الحاكمة، أحدها رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر الصباح، إضافة إلى وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح. ويؤكد المراقبون أن تسمية أحدهما سيخلق مخاوف جدية من تأزم مضاعف والوصول إلى قرار تجميد العمل بالدستور. أما خيار صباح الثالث، فهو إعادة عرف تسلّم ولي العهد رئاسة الحكومة، وهي في الحالة هذه الشيخ نواف الأحمد الصباح، «لتقليص احتمالات مساءلته».

هل تقتحم المرأة عتبة البرلمان: «الثالثة ثابتة»؟


«يقفن على عتبة البرلمان، لكنهن لم يطأنها بعد للعبور إلى الداخل»، إنه واقع الكويتيات اللواتي يخضن انتخابات مجلس الأمة مع الذكرى الرابعة لإقرار البرلمان قانوناً في أيار 2005 يمنح النساء حق التصويت والترشّح.
فللمرة الثالثة على التوالي تخوض المرأة الكويتية السباق، رغم أنها فشلت في الجولتين الانتخابيتين الأخيرتين عامي 2006 و2008 في الوصول إلى خط النهاية، لكنّها اليوم تبدو أكثر تفاؤلاً. الوزيرة السابقة معصومة المبارك ترى أنّ «الثالثة ثابتة». وتقول «كنت أول كويتية تصبح وزيرة وأريد أن أصبح أول كويتية في منصب نيابي».
كذلك، تتقدم المرشحة المستقلة، أسيل العوضي، بثبات نحو الفوز بمقعد عن الدائرة الثالثة، إذ كانت العوضي في انتخابات العام الماضي قاب قوسين من الفوز، إلا أنها خسرت بفارق ضئيل. إلا أن مرشحين في الدائرة الثالثة يخشون من انتصار ساحق لها، ولا سيما أنّها تحظى بدعم الليبراليين، فيما يؤكد البعض أنها ستفوز لا محالة.
ورغم أنّ النساء الكويتيات يمثلن نحو 54.3 في المئة من الناخبين المسجلين، إلا أنهن، على ما يبدو، اقترعن بكثافة لمرشحين ذكور في الدورتين الانتخابيتين السابقتين. لماذا؟ الجواب معروف: العادات والتقاليد، وخصوصاً في الأوساط القبلية، التي لا تحتمل حتى الآن أن «تتجاوز» النساء دورهن المرسوم. وهو ما أجمعت عليه مجموعة من الناشطين والناشطات السياسيين الكويتيين بأنّ «المرأة لا تصوت للمرأة، على قاعدة أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في الموروثات الاجتماعية التي تضعف ثقة المرأة بالمرأة، إما للغيرة والحسد أو عدم القناعة أو عدم امتلاكها رأيها الذي يسيطر عليه أهلها، فضلاً عن أن التجربة النسوية الكويتية في الممارسة السياسية حديثة مقارنةً مع الرجال».
أضف إلى ذلك، التيارات الدينية المتزمتة، التي تستخدم الدين ستاراً لها، «فتصدر فتاوى تحرّم فيها على المرأة حقوقها». وهو ما حدث بالفعل، إذ أعلنت الحركة السلفية أنّ التصويت للمرشحات في انتخابات اليوم «لا يجوز شرعاً، ويدخل في دائرة الإثم كل من منحهن صوته، لأنّ ذلك الصوت قد يؤدي بإحدى المرشحات إلى عضوية المجلس التشريعي الذي يعتبر من الولايات العامة التي لا يتولاها إلا الرجال دون النساء».
تحديات أزعجت الناشطة فاطمة النهام، ودفعتها إلى اعتبار أنّ الحل الوحيد لوصول المرأة إلى البرلمان يكمن في إقرار «الكوتا». فهل تكون الثالثة ثابتة، وتنجح المرأة الكويتية في الجلوس على أحد المقاعد الخضراء في قاعة عبد الله السالم؟