رسم مجلس الوزراء حدود دولة «سوليدير»، لكن هذه الحدود تتحرّك باستمرار، وأسهمت المراسيم والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء بجعل الشركة إمبراطورية غير محددة المعالم
محمد وهبة
بين عام 2005 و2006 صدر 27 مرسوماً وقراراً تتعلق باستثناءات وإعفاءات وقرارات تخدم شركة «سوليدير» وتعطيها مزيداً من الصلاحيات والامتيازات وتكرّس سلطتها، فيما كان إنفاقها الإداري ينمو بصورة مخيفة في مقابل أنصبة أرباح ضئيلة.

امتيازات حصرية

في أيار من عام 1998، أي قبل أشهر من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق الراحل إلياس الهراوي، صدر المرسوم 12992 الذي يعطي «سوليدير» امتياز يمكّنها من احتكار شبكة نقل المعطيات في منطقة وسط بيروت وتبادلها، وقد وَرَدَ في المادة التاسعة من هذا المرسوم ما يدل على امتلاك وإدارة الشركة للشبكة بصورة واضحة ومنفصلة عن «الدولة الرسمية» إذ تقول: «تحترم الشركة أثناء بناء وصيانة واستثمار الشبكة التابعة لها جميع المقاييس الفنية...»، وحدَّدَ المرسوم الترخيص «بإقامة وإدارة واستثمار شبكة شرائح واسعة من الألياف البصرية وتوزيع البرامج المصورة مع جميع التجهيزات المتعلقة بها، وذلك لنقل وتبادل جميع المعطيات بالاتجاهين وكل خدمات الاتصالات ذات القيمة المضافة»، وأوضحت المادة الثالثة أن للشركة الحق بأن ترتبط بشبكات الاتصالات المحلية والدولية، وحق المرور عبر المنشآت والتمديدات والطرقات العائدة للدولة، وذكرت المادة السادسة من المرسوم حصّة الدولة من الشبكة بمبلغ مقطوع قيمته 100 مليون ليرة سنوياً و20 في المئة من مجموع فواتير القبض الصادرة عن الشركة لمشتركيها.
وبالتالي حصلت «سوليدير» على حق حصري يتجاوز المشغّل الرسمي، أي هيئة «أوجيرو». لهذا السبب تقول مصادر في الهيئة إن أي خط هاتفي أو خط إنترنت يطلب تركيبه في منطقة منطقة «سوليدير» يجب أن يحصل على موافقة إدارة الشركة أولاً. كذلك فإن هذه الشبكة، بحسب مراقبين، تمكّنها من التحكم بكل من يوجد في منطقتها والتنصت على أي منهم من دون أي حسيب أو رقيب، فهي شبكة شاملة تنقل الصوت والصورة والفيديو والمعطيات.
وفي عام 2000 صدر عن مجلس الوزراء مرسوم يعدّل المخطط التفصيلي لوسط بيروت التجاري ويعطي «سوليدير» حق إقامة حلبة لسباقات «فورمولا وان» في منطقة وسط بيروت، لكنها لم تُقَم حتى اليوم، أي بعد 9 سنوات على صدور المرسوم.
ثم صدر المرسوم 11259 في عام 2003 الذي يجري تعديلات على نظام منطقة «سوليدير» وترتيبها وقطاعاتها التنظيمية، فأعطى استثناءات وإعفاءات جمّة لمشروع الأسواق التجارية الخاص بشركة «سوليدير»، وبالتالي أعفاها من أي كلفة تترتب عليها جراء التعديل، إذ استثنى ممرات المشاة من شرط الارتفاع الحر، ومن شروط ربط ممرات المشاة بالطرقات الفرعية المحيطة، وعدّ بعض الإنشاءات الإضافية غير القانونية مستوفية للشروط ولم يحتسبها من ضمن المساحة المبنية، وهذا انسحب على مساحات أخرى مخصصة لمواقف السيارات وخدمة المرآب والبناء في الطابق السفلي، ما وفّر على الشركة ملايين الدولارات. وأيضاً سُمح لـ«سوليدير» بأن تقوم بأعمال الصيانة وبإقامة المعارض، وحصلت بموجب المرسوم 15896 في أواخر عام 2005 على رخصة بتعميق بئر مياه إلى أكثر من الحدود المقبولة والمحددة في الأنظمة.

مفهوم الدولة

وفي المحصّلة، تتوسّع «سوليدير» وتتمدّد كلما اضطرت أو وجدت حاجة إضافية لما يخدم مشروعها وأرباحها، ومجلس الوزراء جاهز دائماً لإصدار مرسوم يعدّل فيه مراسيم سابقة ويكيّف القوانين والأنظمة مع ما تطلبه الشركة. هكذا، اكتسبت المزيد من العقارات والإعفاءات من الرسوم والضرائب، وباتت لديها حرية التصرف بأي قطعة أرض أو مبنى، وتوفر خدمات خاصّة عبر بنية تحتيّة تملكها، وهي صاحبة الأمر والنهي في هذا الموضوع، تقدّم خدمات الهاتف والإنترنت والحراسة ومياه الخدمة وكل أنواع التواصل في ما بينها ومع المناطق اللبنانية ومع العالم الخارجي، ولديها مرافق «عامة» مثل المرفأ المعروف باسم «مارينا سوليدير»...
في المقابل، كان هناك مشهد آخر في إدارة الشركة يتكوّن على أمجاد هذه الصورة، فالمستثمرون العرب لاحظوا الترف الذي يعيشه اثنان في الشركة ويطغى على أسلوب حياتهما، هما رئيس مجلس إدارتها ناصر الشماع ومدير العمليات في «سوليدير إنترناشيونال» منيب حمود، ما يشير إلى إنفاق ملايين الدولارات تحت عنوان إدارة الشركة وأعمالها في لبنان وخارجه. فقد بلغت المصاريف الإدارية والعمومية في نهاية 2007 نحو 18.08 مليون دولار في مقابل 14.3 مليون دولار في 2006، وهناك 1.8 مليون دولار تحت بند «مصاريف إضافية»... علماً بأن مجمل توزيعات أنصبة الأرباح الموزّعة منذ 1998 حتى 2007، بحسب دراسة لأصحاب الحقوق في الوسط، تبلغ 451 مليون دولار في مقابل مصاريف إدارية (رواتب بنسبة الثلثين، ومصاريف مكتبية وقرطاسية...) تبلغ 143 مليون دولار، أي إن نسبة المصاريف إلى التوزيعات تبلغ 31.7 في المئة، وهذه نسبة مرتفعة جداً.