غزة | كما تمثل فلسطين لإيران قضية مركزية، في المقابل، تنظر التيارات الفلسطينية، من يمينها حتى يسارها، إلى طهران، على أنها محور مركزي في مجرى القضية الوطنية. وإن أخفى أصحاب مشروع التسوية غضبهم من الجمهورية الإسلامية، لكنهم يرون فيها تياراً معاكساً لما ينشدونه، لذا، لدى الفصائل الإسلامية وتنظيمات اليسار وحركة «فتح» رؤى متباينة في هذا الخصوص، بين من يرى إيران حليفاً «عضوياً»، أو خياراً مؤقتاً، أو حتى عدواً ثانوياً.

قد تكون الرؤية لدى اليسار (خاصة الجبهتين الشعبية والديموقراطية) أكثر وضوحاً، إذ إن «الهاجس المذهبي» لا يبدو حاضراً أمام الاتفاق على مواجهة «الهيمنة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة»، فيما تتباين مواقف الإسلاميين، كحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، لكنهم يعلنون أنهم مع «إيران المقاومة» لا «إيران الشيعية»، وإن كان هذا الخطاب يظهر أزمة لدى «حماس» أكثر من «الجهاد الإسلامي».
أما بالنسبة إلى «فتح»، المحسوبة على تيار اليمين البراغماتي، فهي حتى زمن الانقسام الأول في الساحة الفلسطينية (حزيران 2007) كانت تنظر إلى الدور الإيراني على أنه «محاولة تحقيق هيمنة في الأراضي الفلسطينية، والسيطرة على قرار حماس التي تمثل اليمين الراديكالي»، وشكل ذلك جزءاً من المناكفة السياسية بين قطبي الصراع على السلطة. لكن، وعلى خلاف التشكيلات العسكرية للحركة، فإن تيار التسوية بزعامة محمود عباس، يتهم طهران بأنها تعرقل «السلام في الشرق الأوسط». وأشار عباس إلى إيران، في أكثر من محفل، على أنها «تستخدم أدواتها في المنطقة من أجل خدمة مصالحها في صراعها مع العالم»، كما يمكن رصد تصعيد الخطاب الفتحاوي ضد الجمهورية بعدما دعمت «حكومة حماس» في غزة.
الهاجس المذهبي لا يبدو حاضراً لدى قوى اليسار في تعاطيها مع الجمهورية

في المقابل، ينفي أمين السر للهيئة القيادية العليا لـ«فتح» في غزة، إبراهيم أبو النجا، تصنيفهم إيران في موقف العدو لحركته، مشيراً إلى أن «فتح» لم تكن في يوم من الأيام صاحبة مصلحة في قطع العلاقات مع أي دولة. وقال أبو النجا: «لا نستطيع أن نفرض أنفسنا، فالدول هي من تحدد العلاقات... شاركنا في أكثر من مؤتمر في طهران، ويوجد لدينا تمثيل دبلوماسي وسفير مفوض فوق العادة هناك، وهذه قمة العلاقات بين الدول». ومع ذلك، لا يعتبر هذا التصريح دلالة على قوة العلاقة، لأنه لا يمكن القفز عن موقف إيران من المقاومة.
على عكس ذلك، تعلن القوى الإسلامية واليسارية أن إيران حليف رئيسي لها. وفيما يرجّح ثبات الموقف من طهران في كفة «الجهاد الإسلامي» والجبهتين، فإن خروج «حماس» من دمشق كان علامة فارقة في تاريخ العلاقة بالجمهورية، وتسبّب في خفض الدعم المالي المقدم إليها. وهو سياسياً أعاد طرح أسس العلاقة مع داعم أساسي للقوى المقاومة، وعلى أي قاعدة يجب أن يكون التعاطي معه. هنا ينفي القيادي في «حماس»، يحيى موسى، أن إيران فرضت يوماً على حركته موقفاً سياسياً مقابل الدعم المادي. لكن موسى يحمّل الموقف براغماتية كبيرة حينما يقول، إن «القوى الإقليمية، ومنها إيران، ترغب في أن يكون لها يد في الأراضي الفلسطينية... لا نمانع التعاطي مع كل من يدعم قضيتنا العادلة».
رغم ذلك، لا تخلو مقاربات «حماس» من القضية المذهبية، لعلمها أنها محسوبة في مقدمة التيارات الإسلامية السنية في المنطقة، وهو ما يشكل عامل إحراج لها على مستوى القاعدة الشعبية، وجماعة الإخوان المسلمين في الخارج، الأمر الذي لم ينفه قياديوها.
وبينما يرى موسى أن العلاقة بطهران تتطلب تحسين العلاقة مع سوريا وحزب الله، فإن «الجهاد الإسلامي» التي لم تؤثر الأزمة السورية في علاقتها بالمحور كله، تبدو أكثر إصراراً على تعزيز العلاقة، وخاصة بعد الحرب الأخيرة. يؤكد القيادي في «الجهاد»، خضر حبيب، أن «التحالف مع إيران جزء من تشييد جدار القوة في وجه إسرائيل، وأي اصطفاف في محاور أخرى غير الممانعة هو خنوع واستسلام».
أكثر من ذلك، تلمح مواقع تفاعل إعلامي في «حماس» إلى علاقة «الجهاد الإسلامي» بتركيا والانفتاح عليها، لكن مصادر في الأخيرة أكدت أنها ليست كالعلاقة بإيران، قائلة إن أقصى ما يمكن أن توصله تركيا وقطر «على افتراض حسن النية» في دعمها، هو «دولة على حدود 67... من يستطيع استبدال مشروع التحرير الكامل بهذا المحور؟». أيضاً، يضيف حبيب: «محور إيران يمثل مشروع الأمة الإسلامية كلها، لذا لن ننفك عن تقوية أواصر علاقة الصداقة معها ضد عدو مشترك هو إسرائيل».
يرى آخرون أن تغيّر موقف «حماس» دفع إيران إلى دعم اليسار الفلسطيني، مالياً ولوجستياً، مستدلين بالمشاركة العسكرية البارزة للجبهتين الشعبية والديموقراطية في الحرب الأخيرة، على خلاف سابقاتها. كذلك ظهر التعبير السياسي عن ذلك في أكثر من مسيرة نظمتها «الشعبية» ورفعت فيها أعلام سوريا وحزب الله.
يقول القيادي في «الشعبية»، رباح مهنا، «إن مبادئنا تنسجم مع إيران في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يتقاطع مع سوريا وحزب الله». وأضاف مهنا: «طهران تمثل قوة على مستوى العالم لا يمكن القفز عنها أو تجاهلها».