أمهات يشتقن إلى أبنائهن وزوجات يخضن معترك الحياة من دون شريكغزة ــ قيس صفدي
أمهات وآباء، زوجات وأبناء وأصدقاء، يعيشون على صور وبقايا ذكريات لأسرى مغيبين في سجون الاحتلال، محرومين من حق الزيارة. مصيرهم مرتبط بمزاج المحتل، الذي حوّلهم إلى ورقة مساومة سياسية.
أمهات اشتاقت أحضانهن إلى ضمّ أبنائهن، وزوجات كان نصيبهن أن يتحملن العبء من دون شريك الحياة، وشهدن مع البلاد جروحاً عديدة من خلف القضبان، فكان الانقسام والحصار والحرب، يعتصمن أسبوعياً من دون أمل في لقاء قريب، وكأن المسافات تزداد بعداً يوماً بعد يوم.

وحلم الزواج

حليمة شهاب، أم الأسير عبد الرحمن شهاب (39 عاماً)، الذي يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، قالت: «ابني الكبير اسمه رائد، لكن الناس اعتادت مناداتي بأم عبد الرحمن تكريماً لابني الأسير، الذي مضى على اعتقاله 21 عاماً. كل شيء راح، حتى الذكرى تكاد تزول. اعتقل وعمره 18 عاماً. كان شاباً في مقتبل العمر وكل الناس بتحبه». وأضافت: «آخر مرة زرته فيها كانت منذ عامين وبصعوبة كبيرة ووسط تعقيدات من سلطات الاحتلال، ومع ذلك كنت أشعر بالسعادة بعد الزيارة لرؤيته والاطمئنان إليه».
وتبدي أم عبد الرحمن إصراراً على الزيارة الممنوعة عن أهالي أسرى غزة، وتقول: «لو كنت في آخر أنفاسي لذهبت لزيارته رغم الألم والمعاناة». وأضافت: «في إحدى الزيارات، وهو في سجن المجدل، صدمتني سيارة وأصبت بكسور وصرت أمشي على عكازين، وجاء موعد الزيارة الثانية وكان قد انتقل لسجن بئر السبع وذهبت لزيارته على العكازين».
ليست رحلة الزيارة وحدها الصعبة، فلحظات اللقاء عن بعد ومن خلف سواتر أكثر صعوبة. في بداية الأمر كان يفصل أم عبد الرحمن شبك حديدي عن ابنها، ومن ثم فصل بينهما زجاج يحجب الرؤية وشبك حديدي أيضاً، فتتواصل مع ابنها عبر سماعات الهاتف. وتقول: «عندي تسع بنات، ثلاث منهن تزوجن بعد اعتقال عبد الرحمن، ورفضن الخروج من المنزل بزفة العروس. فرحتنا ناقصة بدونه».
عبد الرحمن لم يترك وراءه زوجة ولا أطفالاً، لكن أمه تحلم بأن تزوجه بعد الإفراج عنه، وتخشى أن يكون قضاء الله أسبق من تحقيق حلمها وتموت من دون أن تراه.

أنجبت وزوجها في المعتقل

الأسير نافذ حرب (55 عاماً)، المحكوم بالسجن مدى الحياة، ترك في بيته ولدين وثلاث بنات، وفي ما بعد أصبحن أربع بنات. فقد كانت زوجته أم محمد حاملاًَ. قالت: «اعتقل زوجي من داخل المنزل، جاءت دورية لقوات الاحتلال، حاصرته ثم اقتحمته واعتقلت زوجي. كنت حاملاً في الشهر الأول، ولم أعلم إلا بعد اعتقال زوجي. أنجبت ابنتي الرابعة وهو في المعتقل، لم تره إلا في الصور وفي زيارات معدودة للمعتقل. مضى على اعتقاله 25 عاماً، زوّجت خلالها أبناءنا الستة، فأصبح عنده 21 حفيداً، جميعهم لم يرهم ولم يروه».
وأضافت أم محمد: «كنت أخرج لزيارته منذ الفجر وأعود للبيت في منتصف الليل، كل ذلك لأزوره لمدة 45 دقيقة. وكانت أصعب المواقف تحدث خلال الزيارات: في إحدى المرات ذهبت لزيارته وقلت له إن شاباً تقدم لخطبة ابنتك وسيأتي لرؤيتها فانهمرت الدموع من عينيه، والموقف الأصعب والأكثر تأثيراً كان يوم زيارة البنتين له، لم يرهم منذ مدة وتغيرت ملامحهما، وعندما رآهما قال لهما: «مين انتوا يا عمي؟»، لم يعرف بناته. وهذا اليوم لا يزال حاضراً في ذهنهن».

دراسة في المعتقل

الأسير رائد الحاج أحمد (25 عاماً) قرر إتقان اللغة العبرية أولاً، ومن ثم متابعة دراسته الجامعية التي بدأها في جامعة الأزهر في مدينة غزة قبل اعتقاله. أم رائد قالت: «كان ابني في طريقه لتنفيذ عملية استشهادية في معبر بيت حانون (إيرز) حين اعتقل، حُكم عليه بالسجن 20 عاماً، أمضى منها خمسة أعوام. وبعد انتهاء الحرب الأخيرة على غزة سمحت إدارة السجن للأسرى بإجراء مكالمات هاتفية مع ذويهم لثلاث دقائق فقط، وعندما هاتفنا لم أكن في المنزل. أتمنى أن أسمع صوته وأعرف أخباره، منذ انتهاء الحرب لم تصلنا أي رسالة منه».
وأضافت: «قرر رائد إكمال دراسته في السجن. كان طالباً في جامعة الأزهر يتخصص في التنمية والدراسات الاجتماعية، ثم انتقل لقسم الشريعة واعتقل بعدها. لكن هناك صعوبات كثيرة تواجه إدخال الكتب للأسرى داخل المعتقل، وسيحاول إتمام دراسته بعد إتقانه للغة العبرية التي يتعلمها على يد زملائه في السجن. ابني يستمد صموده من صمودي، لذلك أشارك في فعاليات الأسرى جميعها، ولن أشعر بالملل أبداً حتى يتم الإفراج عنه».

حضور بالصورة

لا يقتصر تواصل ذوي الأسرى مع أبنائهم على الزيارات، التي أوقفت منذ أسر الجندي جلعاد شاليط في 25 حزيران 2006، بل يتواصلون عبر الإذاعات المحلية التي يصل بثها للسجون الإسرائيلية. عبّرت أم الأسير محمد جابر (29 عاماً) عن سعادتها لوجود هذه الإذاعات، وتحديداً افتتاح إذاعة متخصصة بالأسرى في 17 نيسان الماضي الذي يصادف يوم الأسير. وقالت: «خلال اعتقاله، تزوج أحد أخوته فعلقت صورته في صالة الفرح ليراها الناس ويكون موجوداً معنا ولو بالصورة».