سندات الخزينة قادرة على استقطاب أي كتلة نقدية بالليرةمحمد وهبة
صدرت الأسبوع الماضي 3 تعاميم تدعم الفوائد المدينة وتُعفي قروض القطاعات الإنتاجية من الاحتياط الإلزامي لدى مصرف لبنان، ما يحرر 15 في المئة من قيمة القروض المشمولة بهذه التعاميم، وقد بُني ذلك على أساس وجود سيولة فائضة بالليرة تمثّل مشكلة للمصارف، فيما يمكن استخدامها لتحفيز الاقتصاد. وقد أجرى معهد الإعداد والتدريب في مصرف لبنان أمس ندوة توضيحية مع مندوبي المصارف لهذه التعاميم، وحاضر فيها رئيس وحدة التمويل في «المركزي» وائل حمدان الذي أوضح أنه بموجب التعاميم بات بإمكان المصارف تسليف القطاعات الإنتاجية: سياحية، زراعية، صناعية، حرفية، تعليمية... من دون أن تجمّد لدى مصرف لبنان احتياط نسبته 15 في المئة من مجمل التسليفات، ما يؤدي إلى تحرير مبالغ تقدّر بنحو 2990 مليار ليرة أو 2 مليار دولار.
واشترط «المركزي» للاستفادة من الإعفاء الساري المفعول من أول 2009 حتى حزيران 2010، أن تكون التسليفات لجهاز إسكان العسكريين، للمشاريع المنتجة الجديدة، أو بهدف توسيع مشاريع قائمة متكاملة وتسليف للتعليم، على أن لا تتجاوز مدة القرض غير السكني 7 سنوات والسكني 15 سنة، وأن لا يُستعمل لتسديد قرض سابق أو شراء مساهمات أو مشاركات أو إعادة تمويل مشاريع قائمة، وأن يُمنح العميل فترة سماح لتسديد أصل القرض لا تقلّ عن 6 أشهر ولا تزيد على سنتين... وإنّ من يخالف التعميم يُجازى بتعويض مقداره 15 في المئة من قيمة القرض. واستُثنيت من الإعفاء قروض التجزئة لشراء سيارة أو أثاث منزل أو غيرها من الأمور غير المنتجة، وعُدَّت عمليات التطوير العقاري بهدف إعادة البيع مستثناة أيضاً.

الأرباح والعمولات

حددت التعاميم الثلاثة مستوى ربحية المصرف عبر تحديد الكلفة الإجمالية للقرض بما بين 5 و5.8 في المئة، وفقاً لحمدان، موضحاً أن التعميم يحدّد نسبة الفائدة على القروض بالليرة، إذ يجب أن لا تتجاوز الفوائد والنفقات والعمولات والمصاريف من أي نوع كانت المحتسبة نسبة 40 في المئة من مردود سندات الخزينة لمدة سنة زائدة 3 في المئة تُحتسَب كل سنة من تاريخ وضع القرض موضع التنفيذ.
وهذا أثار حفيظة مندوبي المصارف، فتبين من القصص التي جرى تداولها أن مستوى الربحية كان يعتمد سابقاً على أنواع من الدعم كانت تستغلها المصارف وتحمّل العميل العبء كله، فاعترض بعض المندوبين على احتساب العمولات ضمن تقسيط القرض وعلى طريقة إدخالها في احتساب الفوائد ربطاً بالحصول على الإعفاء من الاحتياط الإلزامي.
فأجاب حمدان بأنه يمكن عدم احتساب عمولات على القروض، مشيراً إلى أن الدعم وخفض الاحتياط الإلزامي يهدفان إلى تجنّب ما حصل مع مصارف عدّة تستفيد من دعم كامل للفوائد، إلا أنها تحتسب عمولات تصل إلى ما بين 4 في المئة و5 في المئة على العميل، مؤكداً وجود حالات من هذا النوع مع قروض «كفالات»، لافتاً إلى أن بعض مديري الفروع المصرفية مَنَعَ استفادة العميل من الدعم المقدّم للقروض بضمانة شركة «كفالات» تحت عنوان وجود أنواع أخرى من الدعم، والسبب كما تبين هو في عدم اقتناعهم بإمكان تحقيق ربح كبير من هذا النوع من القروض.
وذكّر حمدان بأن نسبة الفوائد كانت تصل إلى 30 في المئة على التسليفات بالليرة المدعومة، من دون أي سبب أو مبرر مقنع، فهذه القروض يقدمها المصرف لمنظمات المجتمع المدني، وهي تقوم بعملية إقراض العميل، وما حصل أن المصرف أنشأ بعض هذه المنظمات وحقق أرباحاً فوق أرباحه، لذلك لم تؤد الحوافز آنذاك إلى خفض الكلفة على العميل، ولهذا السبب حُدِّدت الكلفة في التعاميم.
وبالنسبة إلى الإعفاء من الاحتياط الإلزامي بالدولار، تختلف المشكلة، إذ إن احتساب كلفتها يكون على أساس (cost of fund) التي يحدّدها كل مصرف زائدة 2 في المئة ثابتة. لكن مندوبي المصارف رأوا أن كلفة (cost of fund) غير واضحة ومتروكة للمنافسة بين المصارف، فاضطر النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان، سعد عنداري إلى التدخل وتوضيح الأمر، مشيراً إلى مفاوضات مع جمعية مصارف لبنان لاعتماد مؤشر (bibor) لحركة الإنتربنك بين المصارف تحدّده لجنة معينة، وهو برأي عنداري أفضل من فائدة بيروت التي أطلقتها أخيراً جمعية المصارف، فالأخيرة «غير مريحة ولا تعطي صورة عن حيوية السوق».
وفي سياق متصل، يدرس وزير المال محمد شطح إمرار مشروع دعم الفوائد بنسبة 3 في المئة في مشروع موازنة 2009.

سياسة فوائد مرِنة

وتزامنت عملية تحديد الكلفة مع سياسة فوائد «مرنة» يعتمدها مصرف لبنان لتمكين المصارف من الاستفادة، فالمسار المرسوم لأي كتلة نقدية تدخل إلى لبنان يأخذها في نهاية الأمر إلى سندات الخزينة للاستفادة من عائد يبلغ 7.2 في المئة، مقارنة مع فائدة أقل بما بين نقطتين و3 نقاط مئوية مع الفائدة على الدولار. أي إن تقييد حرية المصارف في دعم الفوائد عوّض مسبقاً، لأن الكتلة النقدية التي يتوقع أن تسلّفها المصارف مستفيدة من الدعم، ستبقى على شكل سيولة موجودة في السوق المحليّة، وقد يتجه جزء منها نحو الادخار في المصارف التي ستدفع عليها فوائد.
لذلك تتوقع مصادر في لجنة الرقابة على المصارف أن تستقطب سندات الخزينة القصيرة الأجل الجزء الأكبر من هذه السيولة، لأنه لن يكون أمام المصارف إلا فرصة الاستفادة من توظيفها لتحقيق هامش ربح يراوح بين 2 في المئة و3 في المئة. وتعتقد أن على المصارف أن «تحكّ رأسها» للمواءمة بين استحقاقات الودائع والتوظيفات في سندات الخزينة. وترى مصادر في مصرف لبنان أن تحرير هذه الكتلة النقديّة سيخلق ثقة بالعملة المحليّة، وسيحفّز التسليف للقطاع الخاص، علماً بأن مصرف لبنان يترك، بصورة دائمة، هامشاً مقبولاً بين أسعار الفوائد بالليرة وأسعار الفوائد بالدولار، لاستقطاب رؤوس الأموال من الخارج.


4.5 في المئة

هي نسبة القروض التي استفادت من دعم الفوائد مقارنة مع مجمل تسليفات القطاع المصرفي للقطاع لخاص، وقد بلغت قيمة دعم هذه القروض 400 مليون دولار بحسب إحصاءات مصرف لبنان، فيما تمثّل قروض الإسكان 55 في المئة من مجمل التسليفات


أولوية لـ«ضبط السيولة»