لبنان يعيش على صدمتَي النفط والفوائد وسيشهد هجرة معاكسةمحمد وهبة
القراءة التي يقدمها الخبيران الاقتصاديان شربل نحاس وكمال حمدان لانعكاسات الأزمة المالية العالمية على لبنان وآليات التصحيح الاقتصادي، لا تخرج عن سياق التطورات السابقة للأزمة. فهما يركّزان على المكوّنات الأساسية للاقتصاد المحلي ونتائج ترابطها في ظل الأزمة المالية العالمية. والنقاش يذهب بسرعة إلى المكوّن الأبرز ذي الثقل الأساسي في الاقتصاد المحلي، وهو النفط... ثم ينتهي عند دور النقابات العمالية اللبنانية ومهمتها المستقبلية. لكنْ هناك إجماع على أن تصويب الاقتصاد الوطني بات مكلفاً، وستزداد الكلفة كلما تأخّر التصحيح، وبالتالي يجب العمل على «حلحلة بعض المتاريس والمواقع».
هذه هي الخلاصات التي انتهت إليها ندوة أقامها المركز اللبناني للتدريب النقابي ومؤسسة فريدريش ايبرت أمس بعنوان «الأزمة المالية العالمية وانعكاسها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان» في فندق كومودور، وافتتحها ممثل المركز أديب
أبو حبيب وممثل المؤسسة سمير فرح وأدار النقاش فيها الزميل محمد زبيب.

العيش على الصدمات

وأوضح شربل نحاس أن لبنان أُصيب بصدمتين متلاحقتين: الأولى، تتصل بارتفاع أسعار النفط منذ عام 2004 حتى الصيف الماضي، وقد أدّت إلى تزايد حجم الأموال المتدفقة إلى لبنان تزايداً هائلاً، ما أسهم في نمو ميزانيات المصارف وقاعدة الودائع رغم الأحداث السياسية الكبيرة التي عصفت بلبنان في هذه الفترة... وهذا يعني عملياً أن القدرة التمويلية ارتفعت، وانسحبت نتائج هذا الأمر على مجموعة من العناصر مثل ارتفاع أسعار العقارات، ووُظِّف قسم كبير من هذه الأموال في الأدوات المالية، وازدادت موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية... ونَمَت هذه الكتلة النقدية حتى باتت عبئاً على المصارف وتطلّب تحريرها إعفاءات كالتي أقرّها مصرف لبنان أخيراً، فأصبحت النتيجة كالآتي: الودائع تزداد بتأثير خارجي، فيما لبنان لم يقرر كيف يستخدم هذه الأموال في الاقتصاد، فجاءت الفكرة القائلة بتوسيع التسليف للقطاع الخاص وللدولة في الوقت نفسه، وتقاطعت المصالح على هذا الأمر.
لكن الصدمة الأولى تعززت بالصدمة الثانية المتمثّلة في تدنّي معدلات الفوائد العالمية على الدولار... ولا تزال آثار هاتين الصدمتين غالبة محلياً رغم الخضات السياسية، أي إن مفاعيل الأزمة العالمية لم تتمكن من فرض انعكاساتها فوق الانعكاسات السابقة المتمثلة في نتائج هاتين الصدمتين.
وليس بعيداً من هذا النمو المالي، كانت حاجات الاقتصاد الوطني تعيش على تناقضين رئيسين، إذ إن هناك مصلحة في انخفاض أسعار النفط لأن للبنان يستورد كل حاجاته النفطية، وهذا سيؤدي إلى تراجع الفاتورة النفطية وانخفاض بعض الأسعار وعجز أقل لمؤسسة كهرباء لبنان...
فيما يلاحظ أن الوضع القائم يتطلب استقطاب رؤوس أموال وودائع خارجية، لا يمكن توافرها إلا عبر الفوائض النفطية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط. وحتى الساعة، يقول نحاس، إن لبنان يشهد مرحلة استثنائية تكبر فيها الكتلة النقدية، وترتفع أسعار الأراضي...
لكن قد يتأثّر لبنان بتطورات الأزمة، ويمكن أن نمرّ بمرحلة ارتجاجات مالية.
ويوافق حمدان على هذا «التحليل الدقيق للأزمة»، ويتوقع أن تتراجع التدفقات المالية إلى لبنان، ولا سيما أن القاعدة حتى الآن تقوم على أن «الأموال في المصارف، والأخيرة توظفها في الدين العام لدى الدولة... والدولة شبه مفلسة».
ويسأل: ماذا ستكون النتائج لو تباطأ نمو الودائع؟ سيكون تمويل الدين العام في ظل صعوبات دولية أصعب. في المقابل، تشهد الموازنة اللبنانية عجزاً سنوياً مرتفعاً بسبب ارتفاع الإنفاق، أما وضع الهجرة فسيكون معاكساً من دول الاغتراب باتجاه الداخل، فيما ستتردى رواتب الأسر المهاجرة...

عقد اجتماعي

وبالتالي باتت هناك مجموعة من المؤشرات التي لا يمكن الحركة النقابية أن تتعاطى معها باستخفاف، يقول نحاس وحمدان، فهناك فرصة للاستفادة من الفائض التمويلي، عبر زيادة الاستثمار الحكومي وإعادة النظر ببنيته وتعزيز البنية الترسملية للشركات (زيادة رأس مالها)، وإعادة النظر بوظيفة العملة المحلية لتكون عملة ادخار واستثمار لا عملة لتسديد أجور الفقراء فقط. ولا بد من أن تؤدّي الاستثمارات إلى زيادة الأصول وتوليد فرص العمل وزيادة إنتاج الكهرباء، وهذا يتطلب إدخال قدر أكبر من المرونة في سياسة معدلات الفائدة انسجاماً مع الاتجاهات الدولية السائدة، وتدعيم شبكات الأمان الاجتماعية وإقرار نظام صحي شامل وموحّد يشمل جميع اللبنانيين وإصلاح الضمان الاجتماعي والتصدي للأسباب العميقة للتضخم.
ويقترح نحاس وحمدان تسوية تاريخية تنتج عقداً اجتماعياً جديداً يقوم على توزيع الخسائر، ثم توزيع المكاسب.
ويقول نحاس «إن اجتناب الأزمة في لبنان يفرض توزيع القدرات بين هدفين، الأول يعتمد على تقليل حصول الأزمة عبر ضبط الإنفاق وإشاعة أجواء التفاؤل، والثاني عبر اتخاذ إجراءات تقلل الخسارة جراء تداعيات الأزمة، لذلك من الضروري في المرحلة المقبلة إرساء عقد اجتماعي يقوم على مقايضة بين الخسارة والربح، إذ إن الوصفات التقنية لكل قطاع وحده باتت متكررة ومملة، وأي تقدم يجب أن يمرّ عبر هذه المقايضة التي يجب أن يرسخها الدور النقابي، لأن أي خسارة في مكوّن اقتصادي يجب أن تعوّض في مكوّن آخر.


45 ألف شخص

هو عدد الوافدين الجدد إلى سوق العمل المحليّة، والمعروف أن هذا الطلب تلبيه مؤسسات القطاع الخاص بنسبة تراوح بين 50% و60%، والباقي تلبيه الهجرة. إلا أن هناك مشكلة فرص عمل إضافية في ظل الهجرة المعاكسة التي سببتها الأزمة العالمية


حصرية الحصول على إيرادات للخصخصة