استنفار أمني خارج المحكمة... والملياردير المصري عينه على النقضوائل عبد الفتاح
انطبعت الابتسامة الخفيفة على وجه الملياردير القاسي الملامح، وهو يغادر قفص محكمة جنايات القاهرة في باب الخلق (الحي الواقع بين القاهرة الفاطمية والحديثة).
الابتسامة التصقت بوجه هشام طلعت مصطفى منذ أن استمع إلى المستشار المحمدي قنصوة رئيس المحكمة، وهو يعلن القرار: إحالة أوراق المتهمين إلى المفتي. هشام طلعت مصطفى كان أحد المقصودين، وهو المتهم الثاني في جريمة قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم في شقتها في دبي. الأول هو محسن السكري، ضابط أمن الدولة السابق الذي عمل في منتجع يملكه هشام طلعت في شرم الشيخ، قبل أن يلتقيا معاً وراء القضبان في أكبر محاكمات عصر حسني مبارك.
قاعة المحكمة أصابها الوجوم لبضع دقائق، قبل أن تنفجر حالة عصبية، وخصوصاً من عائلة طلعت مصطفى، فتسقط شقيقته سحر مغشياً عليها، بينما يطارد رجال العائلة كاميرات المصورين ونظرات الصحافيين ويعتدون بالضرب عليهم.
وجه السكري تخشّب، رغم أن التوقعات لم تبعده عن حبل المشنقة. أما هشام، فقد كان المتوقع له ١٥ عاماً. وصدمته كانت في الحكم، الذي يضعه في موسوعة الأرقام القياسية منفرداً، بأنه أول رجل مقرّب من السلطة وفي قلب أعصابها الحساسة، يواجه حكماً بالإعدام.
هي النهاية الأكثر ماسأوية لصعود رجل من بين ملايين ليصبح واحداً من النجوم اللامعين في عالم السلطة والمال. ثم يقف منتظراً الحكم وعلى وجهه تلك النظرة الغامضة المكسورة وفي يده المصحف، وقلبه يكاد يتوقف تحت البذلة البيضاء.
لم يكن هشام طلعت مصطفى يتصور، وهو يسير منتفخاً في اجتماعات لجنة السياسات (الرئاسة الموازية لمصر) أن جسده سينكمش ويكاد يتحول إلى شيخ عليل تحميه أيادي المتطوعين لحظة خروجه من القفص إلى مصير معلق بأيام يقضيها منتظراً البزة الحمراء، التي يرتديها المنتظرون للإعدام، والحبل الراقص في الهواء.
المستشار قال كلمات قصيرة جداً، أعقبتها فوضى الصرخات والتشنجات والأصوات العالية والتحركات غير المفهومة في حراسة أعداد كبيرة من قوات الأمن، كانت دلائل على أعداد أخرى أضخم في الخارج (٢٥ سيارة أمن مركزي و٥ سيارات إطفاء). البعض شبه المشهد بالثكنات. لكنها غالباً تتخذ منحىً فريداً جديداً. فقلب العاصمة المزدحم بطبيعته يتحول إلى متاهة غريبة في مثل هذه التظاهرات، التي تتعامل معها الأجهزة الأمنية بأسلوب واحد تقريباً. وبينما انتشرت القوات من السادسة صباحاً، كانت هناك كاميرات فضائية تبيت على الأرصفة من الثانية بعد منتصف الليلة السابقة.
المشهد خاص وفريد، وخصوصاً مع تتابع وصول الشخصيات الهامشية في حياة رجل الأعمال الشهير، وهم غالباً أشقاء غير معروفين للرأي العام، رغم أنهم شركاء في الإمبراطورية العقارية التي ورثها عن والده المهندس طلعت مصطفى، وشاركت في حملات إعمار سابقة، إلا أنها تحولت إلى واحدة من «ديناصورات» عهد مبارك منذ عشر سنوات، حين تولى هشام، الابن الأصغر، الشركة. شركة كانت مدينة بعشرة ملايين جنيه تقريباً، إلا أن هشام نقلها إلى موقع آخر عبر شبكة علاقات مع مراكز في السلطة (لجنة السياسات) وفي المال (الأمير الوليد بن طلال).
هذه العلاقات العائلية وبعض الموظفين هم كل ما بقي من «هيلمان» هشام طلعت مصطفى السياسي. كانوا معه لحظة نطق الحكم ليجبر على شراكة ضابط أمنه (السكري) في رحلة نقض الحكم، وهي الأمل الأخير للاثنين. أمل أمامه احتمالات مفتوحة: إما أن يرفض النقض من أساسه، وإما أن يقبل ويكون هناك خيارات، أولها تأييد حكم محكمة الجنايات، وبينهما تخفيف الحكم (إلى السجن) أو الحكم بالبراءة أو إعادة المحاكمة من جديد.
لكن الأمل المقيَّد لم يجعل ابتسامة هشام تتسع أو السكري يترك سيجارته والمصحف قبل أن يبكي وهو يمد ساقه إلى سيارة الترحيلات إلى السجن.
هشام طلعت مصطفى نسي الآن أنه كان رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، وأنه كان يدير ٧٠ مليار دولار في إمبراطورية بناها عبر شبكاته السياسية وحجز بها مواقع متقدمة جعلته يصرّح للمقربين منه أحياناً بأنه «الابن الثالث» للرئيس مبارك.
نسي هذا طوال ٢٧ جلسة استغرقتها المحكمة في ٥ أشهر، معظمها كانت سرية، واعتبرت بالنسبة إلى البعض محاكمة زواج المال والسلطة في عصر مبارك. لكن على الضفة الأخرى هناك من عدّها شهادة إبراء ذمة للنظام من أصحاب «الثقة المفرطة» في الحماية السياسية.
الحكم بالنسبة إلى أصحاب الطرفين هو رسالة لم يفضّ أحد أسرارها حتى هذه اللحظة.
وبين الحكم وحساباته السياسيّة، كان الثقل الاقتصادي لهشام طلعت مصطفى لا يزال حاضراً. ففور النطق بالحكم أغلقت أسهم مجموعة شركته على انخفاض 14.5 بالمئة، ما دفع مؤشر سوق البورصة المصرية إلى التراجع، إذ فقد المؤشر الرئيسي 4.68 في المئة من نقاطه، مسجّلاً 5699.52 نقطة.