هناك رأي في صندوق الضمان يشير إلى أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يمهّد لخصخصة الصحة في لبنان، إذ اقترح أن يستمر الصندوق في تغطية المضمونين الاختياريين للطبابة فقط، وأن يستشفوا على حساب وزارة الصحة... ولاحقاً البطاقة الصحية الإلزامية
محمد وهبة
«كارثة»... هكذا وصف رئيس مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اقتراحاً تقدم به رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة لمعالجة موضوع الضمان الاختياري. فالسنيورة يقترح أن يبقي المضمون الاختياري خاضعاً لصندوقين ضامنين رسميين، أي يحصل على الاستشفاء على حساب وزارة الصحة العامة، ويحصل على الطبابة على حساب صندوق الضمان. وبالتالي فهو «يشرّع» الوضع الاستثنائي القائم حالياً بدلاً من وضع حل جذري للمشكلة، وذلك بهدف التمهيد لخصخصة قطاع الصحة في ما بعد.
هذا الاقتراح نقله المدير العام للصندوق محمد كركي إلى مجلس إدارة الصندوق على أثر اجتماع عقده السنيورة في السرايا الحكومية منذ أيام بحضور وزيري العمل محمد فنيش والصحة محمد جواد خليفة، وأوضح كركي للمجلس أن وجهة نظر السنيورة هي إبقاء التقديمات الصحية على حساب الضمان الاجتماعي والاستشفاء على حساب وزارة الصحة العامة وإبقاء الاشتراكات على ما هي عليه.
هذا الطرح استفزّ معظم أعضاء مجلس الإدارة، فاعتبره رئيس المجلس طوبيا زخيا «كارثة»، إذ بإمكان مجلس الوزراء أخذ قرار سياسي بهذا الشكل، أما مالياً «فهناك صعوبات كثيرة في التطبيق»، وعقب عليه مهدي سليمان بأن هذا القرار ليس لمصلحة الصندوق، ووافقه عادل عليق معبراً عن خشيته من أن يُفرض هذا الحل بقرار في مجلس الوزراء، أما فضل الله شريف فقال إن مرسوم الضمان الاختياري فرض على الصندوق بالسياسة، وبالتالي على السلطة تحمل كامل الخلل.
لكن رئيس اللجنة الفنية في الصندوق سمير عون تعمّق أكثر في الطرح المقترح، ولفت إلى أنه يعبّر عن وجهة خصخصة الصحة في ما بعد، وبالتالي «يستحق الضمان الإدانة إذا قصّر بواجباته تجاه الحلول السلبية المطروحة، ويتطلب الأمر إيصال صوتنا المعترض بمختلف الطرق». عندها اقترح بشارة الأسمر وضع توصية تقضي برفض الحل، مقترحاً تحويل ما يخصص لوزارة الصحة في الموازنة لفرع الضمان الاختياري.
انتهت الجلسة إلى «لا شيء». إلا أن مصادر مطلعة في الصندوق أوضحت لـ«الأخبار» أن هذا الاقتراح يؤدي إلى ترسيخ الواقع الحالي للمضمونين الاختياريين، الذين يستعطفون وزارة الصحة للحصول على استثناء يمكنهم من الاستشفاء، بعدما توقفت المستشفيات منذ أكثر من سنة ونصف عن استقبالهم لأن الضمان لا يدفع فواتير الاستشفاء، إذ تجاوز عجز هذا الفرع 120 مليار ليرة، فيما تراجع عدد المنتسبين للفرع إلى 21 ألفاً.
وخطورة الاقتراح تكمن في عدد من النقاط الأساسية:
ــــ سيصبح المضمون الاختياري ضائعاً بين جهتين ضامنتين. وبالتالي ستُشتّت التقديمات الصحية على عكس المسار المرسوم لتوحيد الصناديق الضامنة، أي إن السنيورة يكرّس واقع تشتت قنوات الإنفاق الصحي بدلاً من تركيزها.
ــــ هذا الاقتراح يمهد لخصخصة الاستشفاء الذي تسعى إليه وزارة الصحة عبر مشروع البطاقة الصحية وجعل المواطن خاضعاً لشركات التأمين التي ستصدرها، وهذه البطاقة تقدم المزايا نفسها التي يقترحها السنيورة، أي إن الاستشفاء يتم عبر البطاقة بتمويل من حاملها ومن الدولة والطبابة إما على نفقة المواطن أو على أي صندوق ضامن.
ــــ يخالف القرار توجهات مجلس الإدارة الذي أقرّ زيادة معدلات الاشتراك إلى 20 في المئة، أي زيادة معدل الاشتراك الحالي بنحو 11 في المئة، على أن تموّل الدولة منها 4.5 في المئة، وذلك بهدف إنهاء حالة الاختلال المالي البنيوي بين الاشتراكات والتقديمات.
ــــ لم يحدد الاقتراح مصير العجز الذي يترتب على الصندوق جراء التقديمات السابقة لمضمونين اختياريين، إذ إن مجلس الإدارة كان قد طلب أن تتحمل الدولة قيمة العجز المتراكم، أو الحصول على مساعدة استثنائية لتمويلها وفقاً لقانون الضمان.
وتعتقد المصادر أن على الدولة تحمل العجز لأن إنشاء الفرع جاء سياسياً فأُقرّ في 2003 بعشوائية ومن دون أي دراسة للتوازن المالي، وبتواطؤ سياسي بين أكثر من جهة كانت تسعى إلى إسكات الأصوات التي تسأل عن مصير مئات المصروفين من «الميدل إيست». وتكشف مناقشات مجلس الإدارة آنذاك، عن وعد شفهي نقله وزير الوصاية عن رئيس مجلس الوزراء حينها، ويفيد بأنه سيُقتطع قسم من اعتمادات وزارة الصحة المخصصة لتأمين الرعاية الصحية لغير المضمونين، وهذا ما لم يحدث أبداً.
ويشار إلى أن كلفة متوسط المعاملة الواحدة للمضمون الاختياري ارتفعت من 212 ألف ليرة شهرياً في منتصف 2008، إلى 250 ألف ليرة شهرياً في نهاية 2008، في مقابل متوسط اشتراك يبلغ 94 ألف ليرة شهرياً، أي أن العجز الإجمالي السنوي يفوق 37 مليار ليرة. علماً بأن نسبة المضمونين الاختياريين الذين تفوق أعمارهم 50 سنة تبلغ 70 في المئة، وهذه الشرائح العمرية هي الأكثر كلفة والأكثر تمسّكاً بهذا الفرع.
ومن الحلول التي أقرها مجلس إدارة الصندوق توسيع قاعدة الانتساب إلى فرع ضمان المرض والأمومة بحيث تشمل تدريجياً كل الفئات اللبنانية غير المشمولة بأي نظام صحي، والاستفادة التدريجية من الاعتمادات التي تنفقها وزارة الصحة على الاستشفاء في المستشفيات الخاصة لتغطية ضمان الفئات الجديدة.