لبنان خارج المنظمة حتى تعديل قانون مقاطعة إسرائيل!رشا أبو زكي
تعدّ التدخلات المباشرة والدقيقة للدول الكبرى في السياسات الاقتصادية للدول من أبرز سمات شروط العضوية لمنظمة التجارة العالمية، إذ إن الاتفاقيات الدولية التي تعقد في ظل مفاوضات الانضمام تصبح ملزمة للبنان. إلا أن الأبرز هي الضغوط السياسية التي تمارسها بعض الدول الكبرى على الدولة طالبة العضوية، وخصوصاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي... وتؤكد التجارب العالمية في عملية الانضمام وجود تداخل بين السياسة والمصالح الدولية في عمل منظمة التجارة العالمية. فقد حصلت ليبيا على العضوية في 27 تموز 2004 بدعم أميركي قوي جداً، وقد جاء ذلك مكافأة سياسية لقرار ليبيا خلال عام 2003 التخلّي عن كل برامج الأسلحة النووية... وكذلك الحال بالنسبة إلى الجزائر، إذ إن فريق العمل لم يجتمع لمناقشة طلبها الانضمام إلا بعد 11 عاماً، عندما قطع وزير التجارة الجزائري، نور الدين بوكروح، وعداً بأن بلاده سترفع الحظر عن استيراد المشروبات الروحية وتوزيعها، قبل انضمام بلاده إلى المنظمة... وكذلك في ما يتعلق بعدم قبول انضمام إيران وسوريا حتى الآن إلى المنظمة. وبين الشروط المعلنة وتلك المستورة، تكمن القطبة المخفية. فهل هناك شروط سياسية معينة يجب على لبنان تحقيقها ليحصل على عضوية كاملة في WTO؟
في عام 1998، أي قبل قبول منظمة التجارة العالمية البحث في موضوع انضمام لبنان، قدّم الأخير ملفاً إلى المنظمة يحمل طلب الانضمام، إلا أن المنظمة لم تقبل الملف. أما السبب، فهو أنه كان يتضمن عبارة «احتلال جزء من الأراضي اللبنانية من قبل إسرائيل»، وكان مبرّر المنظمة أن الورقة يجب أن تكون تجارية لا سياسية. إلا أن كتاب «لبنان وخريطة الطريق إلى منظمة التجارة العالمية»، الذي وضعه رئيس الوفد اللبناني إلى المنظمة والمدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة سابقاً فادي مكي، يشير إلى أن عدم الموافقة كان بسبب اعتراض الوفد الإسرائيلي في المنظمة على ذكر هذه العبارة! وبالتالي أجّل لبنان تقديم ملفه إلى عام 1999، بعد أن أزال عبارة الاحتلال منه... هذه النقطة أصبحت محوراً أساسياً في المفاوضات، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية، وشرطاً يأتي ضمن شروط مخفية أخرى لقبول انضمام لبنان إلى المنظمة!
ويؤكد مكي لـ«الأخبار» أن قرار عدم الموافقة على انضمام لبنان هو سياسي بامتياز، إضافة إلى عراقيل تقنية تحتاج إلى عمل لتذليلها، لافتاً إلى أن موضوع التدخل السياسي يتعلق تحديداً بمقاطعة لبنان لإسرائيل، وبالتالي لا إمكان لانضمام لبنان إلى المنظمة الا في حال تعديل قانون مقاطعة إسرائيل النافذ حالياً... ويشرح أن لبنان ينطبق عليه موضوع المقاطعة من الدرجة الثالثة، التي تقوم على عدم التعامل كلياً أو جزئياً مع أي شركات أو هيئات تعاملت أو تتعامل مع إسرائيل، أو لها أي صلة من الصلات بأسواق إسرائيل. ويلفت إلى أن القانون ينص على ذلك، فيما لبنان لا يطبقه، إذ إن للحكومات اللبنانية سلطة في إعفاء بعض الشركات أو المؤسسات من المقاطعة. ويضيف مكي «لا يمكن الدول أن توافق على فكرة أن للحكومة سلطة في وقف المقاطعة، وبالتالي فإن المطلب الأساسي هو تعديل قانون المقاطعة، أو يمكن حلّ هذه الإشكالية عبر مذكرة أو تعهّد...»! ويلفت مكي في كتابه إلى أن «عدداً من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، تطالب بتخفيف حدة المقاطعة، إن لم تطالب على الأقل بإلغاء بعض جوانبها...». وفي هذا الإطار يبرز ما قاله وزير الاقتصاد والصناعة ناصر السعيدي، في 22/06/2000، في ندوة نظّمها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الاونكتاد»، إنّ «أمام لبنان استحقاقات كثيرة، منها استحقاق سياسي، يتمثل في التطورات الإقليمية، وما يرافقها من عملية تسوية متعثّرة مع إسرائيل»...
والتدخلات السياسية لا تقتصر أبداً على فرض شروط سياسية على لبنان ليحصل على مقعد العضوية في WTO، بل تمتد إلى فرض سياسات اقتصادية وتوجهات محددة... إذ تسعى الولايات المتحدة الأميركية، كما عدد من الدول الأوروبية، إلى فرض شروط على الرغم من عدم وجودها من ضمن بنود شروط الانضمام، ومنها الخصخصة.... لا بل يرى بعض المراقبين أن تمويل الوكالة الأميركية للتنمية مشروعاً لمساعدة لبنان على الانضمام إلى المنظمة، ولا سيما عبر تعزيز قدرة المفاوضين اللبنانيين ومساعدة لبنان في إعداد جميع الوثائق وتحقيق نظام تجاري يتماشى مع اتفاقات منظمة التجارة، أمر مثير للقلق. وترى الأوساط أن هذه المساعدة تهدف إلى خدمة المصالح الأميركية في التزامات لبنان للمنظمة لا إلى مصلحة الشعب اللبناني....
ويشير مكي في كتابه إلى وجود ربط لمفاوضات الانضمام بتطبيق خطة عمل سياسة الجوار الأوروبية ومتطلبات باريس 3، لا بل يرى أن هناك تلازماً بين هذه النقاط مع تقدم عملية المفاوضات. ويخشى مكي أن يستخدم الاتحاد الأوروبي مفاوضات الانضمام مع لبنان للحصول على التزامات في خفض الرسوم لم يحصل عليها الاتحاد في إطار مفاوضات الشراكة الأوروبية، وخصوصاً في الزراعة!
إلا أن رئيسة وحدة منظمة التجارة العالمية في وزارة الاقتصاد لما عويجان ترى أن التأخر الحاصل في انضمام لبنان إلى المنظمة له أوجه تقنية بحتة، وتشرح أنه لا وجود لأي تدخل سياسي من أي دولة في موضوع انضمام لبنان إلى المنظمة. وتقول «لا بل تؤدي السياسة دوراً إيجابياً في عملية الانضمام، بحيث تدعم الدول العربية اتجاه لبنان في عدم تقديم تنازلات في موضوع الانضمام، وكذلك دول أخرى مثل كوبا وفنزويلّا». وتضيف «حتى إن بعض الدول الأوروبية تساعد لبنان، ولكن مساعدة طفيفة، فيما تقول الولايات المتحدة إنها تدعم عملية المفاوضات القائمة». وتقول عويجان «حتى إسرائيل لا تعارض دخولنا إلى المنظمة، فقد تسلّمت في أحد الاجتماعات الميكروفون وأعلنت أنه لا مشكلة لديها في موضوع انضمام لبنان إلى WTO»! أما عن التنازلات المطلوبة، فتقول عويجان «إن لبنان ملتزم حدّاً معيناً في تحرير تجارته، وهذا الحد هو القائم حالياً».


40 مليون دولار

هو قيمة المساعدات التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية للبنان سنوياً، ولمساعدته على الانضمام إلى WTO، وذلك عبر شركة «بوز ألن هاملتون» ومن أبرز أعمالها التعاقد مع الحكومة الأميركية في الدفاع والبرامج الخارجية لمساعدة الجيش الأميركي!


التدخل الفاضح: إيران وسوريا!