الصناعيّون والمزارعون: لا نريد دخول لبنان إلى المنظمة... رشا أبو زكي
لا تنحصر المعوقات التي تحول دون انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية بالتدخّلات السياسية الدولية، وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ولا تتوقف عند مشاكل تقنية ومفاوضات ثنائية تشمل ألوف السلع، بل تتعداها إلى معارضة داخلية قوية من جانب ممثلي القطاعات الإنتاجية، الذين يرفضون عملية الانضمام لأسباب أساسية تتوافق مع ما تقوله الوحدة المعنية بالمنظمة في وزارة الاقتصاد، وأهمها وهن القطاعات الإنتاجية، وحاجتها إلى التحصين والمساعدة والدعم، إلى حين وصولها إلى مرحلة تستطيع فيها المنافسة وعدم هجرة لبنان كما حدث مع مصنع يونيسراميك... إلا أن الأزمة، تتعلق بالعلاقة غير الصحية التي تمارسها الحكومة بحق ممثلي هذه القطاعات، بحيث لا يشاركون في المفاوضات الثنائية... وإن شاركوا فلا يحق لهم الكلام ولا النقاش، فتخرج المفاوضات بقرارات تفرض على القطاعات الإنتاجية وتصبح ملزمة لهم، فيما الدول طالبة الانضمام تسعى عادة إلى تحصين قطاعاتها، وتعمل عبر المفاوضات الثنائية لانتزاع أكبر قدر من «الغنائم التجارية» والدعم والتسهيلات القطاعية!
تقول رئيسة وحدة منظمة التجارة العالمية في وزارة الاقتصاد والتجارة لمى عويجان إن توقيع الاتفاقية مع منظمة التجارة العالمية لن يكون له تأثيرات سلبيات على لبنان، وتوضح عويجان أن المشكلة الأساسية في لبنان ليست في الانضمام إلى منظمة التجارة، بل في عدم وجود سياسات اقتصادية واضحة، وخصوصاً في القطاعات الإنتاجية. فلبنان وقّع الاتفاقيات التجارية، ومن ثم وقَع في مشكلة، فقد كان على الحكومات وضع مخططات ودراسات لمعرفة آثار الاتفاقيات هذه سلبية كانت أم إيجابية على الاقتصاد الوطني. وتشرح أن الاتفاقيات الثنائية الموقّعة بين لبنان وعدد من الدول تدعو إلى إلغاء التعريفات الجمركية، إلا أن الانضمام إلى المنظمة يفرض خفض التعريفات لا إزالتها... ويتقاطع الصناعيون، كما المزارعون، مع عويجان في موضوع عدم وجود سياسات وخطط اقتصادية، إلا أنهم يرفضون الانضمام إلى المنظمة وأسبابهم واضحة: إذ يؤكد رئيس جمعية المزارعين انطوان الحويك على عبارة «نحن ضد الانضمام بكل وضوح»، ويشرح أن الاتفاقيات التي وقّعها لبنان مع الاتحاد الأوروبي أو في ما يتعلق باتفاق تيسير التجارة العربية، يجب أن تكون عبرة لكي تمتنع الحكومة عن متابعة عملية الانضمام إلى المنظمة، إذ إن كليهما لم يفتح أسواقاً جديدة أمام القطاعات الإنتاجية في لبنان، وخصوصاً في القطاع الزراعي، وبالتالي أغرقت السوق المحلية من دون القدرة على تصريف الإنتاج الوطني، ما يشير إلى أن المشكلة لا تتعلق بتحرير عملية الاستيراد والتصدير، بل بأزمة بنيوية يعانيها القطاع الزراعي في لبنان، ومن هنا يجب معالجة هذه الأزمة قبل الحديث عن أية اتفاقيات جديدة. ويسأل «ما الإفادة إذن من الدخول إلى WTO إن كان اقتصادنا سيتضرر؟».
أما رئيس جمعية الصناعيين، فادي عبود، فيؤكد أن انضمام لبنان إلى WTO ليس لمصلحة الصناعة الوطنية، وخصوصاً أنه يجري إغفال رأينا، «ولا مرة قدّمنا مذكرة وأُخذ برأينا في الاجتماعات»، وسأل «لماذا لا تدعونا وزارة الاقتصاد والتجارة إلى اجتماع تنسيقي قبل البدء باجتماعات المفاوضات مع المنظمة؟ ولماذا لا نُدعى تحديداً لمناقشة المواضيع الصناعية؟». ويسأل «كيف من الممكن الدخول إلى منظمة التجارة وكشف أسواقنا، فيما الاحتكارات تسيطر على مفاصل القطاعات، والرقابة غائبة تماماً؟ ولماذا تجري حماية الوكالات الحصرية بقانون؟ ولماذا الانفتاح لا يطبّق إلا على الصناعة؟ وكيف أطالب بتنافس حرّ وجميع الدول العربية تدعم صناعاتها في الأكلاف والتمويل وثمن الأرض؟ وكيف سأنافس في مجتمع لا يخضع للمنافسة فيه إلا القطاع الصناعي؟ وإذا سلّمنا أن الصناعيّين لا يعرفون واجباتهم، ولكن ألا تعلم الوزارة أنه توجد سلع تحتاج إلى الحماية؟ أم أن دورها فقط حماية الوكلاء الحصريين؟
هذا الاختلاف تمظهر منعاً لممثلي القطاعات الإنتاجية، وفق ما يؤكد عبود وحويك، إمّا من الكلام خلال اجتماعات المنظمة، وإما من المشاركة في الوفد المشارك في الاجتماعات! إذ يشير عبود إلى أن الجمعية لم تتلقّ أية دعوة تتضمّن برنامجاً عن المفاوضات، أو البنود التي ستجري مناقشتها، فيما ممثلو الجمعية شاركوا مرّتين في المفاوضات، وفي كلتيهما كان ممنوعاً عليهم الكلام خلال الجلسات، وممنوعاً وضع أية مشاركة أكانت خلال المفاوضات أو على هامشها، «وبالتالي لن نكون شهود زور في هذه المفاوضات، ونرى الأمور تمر من أمامنا ونصمت». فيما يلفت الحويك إلى أنه «على الرغم من مراسلاتنا الدائمة، وبياناتنا المتواصلة التي تطالب الوزارة بإشراكنا في الوفد فإننا لم نتلقّ أي جواب يذكر»، ويضيف «هم يريدون إمرار المواضيع المضرّة بالقطاعات من دون معارضة ولا حتى نقاش، ولا يعملون لمصلحة الاقتصاد الوطني، حتى إن آخر اجتماع عُقد في وزارة الزراعة لم نُدعَ إلى حضوره»!
إلا أن عويجان، تشدّد على أن الوزارة تدعو جمعية الصناعيين «إلا أنهم لا يحضرون الاجتماع لكونهم لا يريدون تحمّل أكلاف السفر»! وترفق إلى «الأخبار» نسخاً عن مراسلات الوزارة إلى جمعية الصناعيين، التي يرد في متنها الدعوة من دون تحديد مضمون الاجتماعات، فيما يشار في كتاب آخر إلى أن القطاع الخاص يتحمّل أكلاف السفر والإقامة... على الرغم من أن ممثلي القطاع الخاص من ضمن الوفد المرافق! أما في ما يتعلق بجمعية المزارعين، فتشير عويجان إلى أنّ هناك ممثلاً عن القطاع الزراعي منتدباً من جانب غرفة التجارة والصناعة والزراعة، معتبرة أنه يمثّل المزارعين في لبنان... إلا أن ذلك لا يظهر في كلام رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان غازي قريطم، الذي يلفت إلى أن الغرفة تشدّد على ضرورة الانضمام إلى المنظمة (ما يتناقض مع موقف المزارعين) وعن موضوع تمثيل المزارعين عبر الغرفة، لفت قريطم إلى أن الممثل الزراعي للغرفة يسهم في جميع المفاوضات والاجتماعات، ولكن «لبنان لا يستطيع التعاطي في كل موضوع على حدة، فالانضمام بحجم لبنان ولا ينحصر بقطاع. ولكن مصلحة المزارعين مصونة وكذلك المصالح الأخرى»!
والمشكلة بين القطاعات الإنتاجية وممثلي لبنان في منظمة التجارة عميقة، إذ يقول عبود إن «التجارب مع وزارة الاقتصاد تبيّن أن موضوع الحماية مرتبط بالسياسة أكثر مما هو مرتبط بالاقتصاد، والدليل هو ما حصل مع مصنع يونيسراميك، حيث مُنح رسوماً حمائية قبل صدور المراسيم التنفيذية لقانون حماية الإنتاج الوطني، وبعد صدور المراسيم التنفيذية توقّف العمل بالحماية على أساس أنه مفروض أن تعود الحماية خلال بضعة أسابيع، وفق المراسيم التنفيذية وشروط منظمة التجارة العالمية، وتبين أن هذه خدعة، وأن السبب الوحيد لعدم حماية المصنع هو سياسي محلي يدعمه عدد من المحتكرين، وسبب إقليمي من الإمارات ومصر، وفي هذا الوقت قدّمت سوريا حماية لصناعة السيراميك المحلية والأردن كذلك الأمر، ووفق شروط منظمة التجارة العالمية»!
فيما تشير عويجان إلى أن الصناعيين «لم يعطونا حتى الآن عناصر الملفات كاملة لتأمين الحماية لمنتجاتهم»، ونستغرب الشكاوى بشأن أن هذا الملف معقّد فيما هو مطبّق هو نفسه في الأردن. وتشير إلى أن بعض الصناعيين يطالبون بالحماية إلّا أن إغلاق السوق على الإنتاج المحلي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهنا يكون ثمّة مفاضلة بين إفادة شركة أو تحقيق ضرر على شعب بأسره، ومن هنا كان موضوع عدم حماية مصنع يونيسراميك.
ويرى عبود أنه عندما نجد أن أكثر من 16 ملفاً صناعياً يجري إهمالها من جانب وزارة الاقتصاد، لعدم وضع إجراءات حمائية، نصبح على قناعة بأنه «يوجد بعض الموظفين في الوزارة المحقونين بالعداء للصناعة المحلية». مشدداً على أن وزير الاقتصاد محمد الصفدي، كان أكثر تجاوباً من العهد السابق، «إلا أننا على ثقة بأن المعلومات التي تصل إلى مكتب الصفدي غير دقيقة». ويلفت إلى أنه «في الأردن دائرة تابعة لوزارة الاقتصاد، هي التي تساعد الصناعيين على تقديم الملفات، وهناك عدة منتجات حصلت على الحماية، منها الأحذية والسيراميك وعشرات الملفات الأخرى، حيث تقدم الوزارة الاختصاصيين لمساعدة الصناعيين على حماية منتجاتهم، وهناك الوزارة لا تعمل سوى على حماية قطاعها الصناعي، على عكس ما يحدث في لبنان».
بدوره يؤكد حويك أن المزارعين «ضد الانضمام إلى منظمة التجارة، ولن نجعل هذا الموضوع يمر»، مذكّراً بأنه حين وضع في توصيات ورش الاتحاد الأوروبي انضمام لبنان إلى منظمة التجارة، رفضنا هذا الموضوع وسُحبت التوصية، وبالتالي يجب الانطلاق في عملية الانضمام من موقف القطاعات الإنتاجية، لأنها الأكثر تأثراً بهذه العملية...


5 ملايين دولار

هي قيمة المساعدات التي قدمتها وكالة التنمية الأميركية لإعداد لبنان للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. ويسأل حويك «أين هذه الأموال؟ وأين صرفها موظفو وزارة الاقتصاد؟ وهل هذا الركض للانضمام يتعلق «بالقبض» لدعم هذا التوجه؟».


أولى الضحايا