تعرضت الحكومة الجديدة في يومها الأول لوابل من الانتقادات من جانب الصحف الإسرائيلية، فحكمت عليها «هآرتس» مثلاً بالفشل المسبق ووصفتها بحكومة الشلل
مهدي السيد
شنت الصحف الإسرائيلية، أمس، حملة شديدة على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، متوقعة لها الفشل التام على خلفية الميول اليمينية المتشددة لأكثر أقطابها من جهة، والعدد الكبير لأعضائها في مقابل كثرة الوعود والامتيازات الممنوحة لأطرافها من جهة ثانية، الأمر الذي سيعوق أداءها في مواجهة التحديات المرتقبة. وقالت «هآرتس»، في افتتاحيتها، إن الهدف الأول لحكومة بنيامين نتنياهو عند تأليفها لم يكن «الحرص على مصير الدولة، بل تلبية شهوة السلطة لدى حفنة من المتفرغين وترسيخ قوة رئيسهم».
وانتقدت «هآرتس» الحكومة «الأكبر في تاريخ إسرائيل والأكثر ضحالة»، معتبرة أن تشكيلتها «تنذر بالشر»، وأنها «تبثّ إحساساً بالتبذير الفضائحي، في الوقت الذي يقف فيه الاقتصاد على شفا أزمة اقتصادية خطيرة».
ولم تر الصحيفة أي بارقة أمل في أي من الوزراء الجدد الذين «لا يوجد بينهم وزير واحد واعد»، مشيرة إلى أنها «حكومة شلل قاتمة ستجد صعوبة في أداء مهامها واتخاذ قرارات مصيرية إزاء التحديات الخارجية والداخلية». وأضافت أنها «حكومة بلا رؤيا، بلا حماسة فعل وبلا وزراء يقودون خطى التغيير». ورأت الصحيفة أن هذه الحكومة التي «ولدت في الخطيئة، خطيئة الألعاب الحزبية الضيقة، من شأنها أن تقضي أيامها بمعارك البقاء فقط».
ولفتت الصحيفة إلى أن «هذا الواقع يُعدّ بشارة متعبة ومحيّرة في الفترة التي تكون إسرائيل فيها مطالبة بقرارات حاسمة شجاعة، وبشرى عسيرة لمسيرة السلام وإعادة البناء الاقتصادي، وهي بشرى سيئة لكل إسرائيلي قلق. وقد بثّت إسرائيل للعالم، أن وجهتها ليست نحو السلام والتغيير. وحكومة نتنياهو الثانية ليست أفضل بأي شيء من حكومته الأولى، وقد تبدّدت كل الآمال بأنه تغيّر»، ولذا أملت الصحيفة أن «تخلي هذه الحكومة مكانها بأسرع وقت ممكن».
وفي «هآرتس» أيضاً، تطرق مراسل الشؤون الحزبية يوسي فريتر إلى آراء الجمهور الإسرائيلي تجاه حكومة نتنياهو الثانية، فأشار إلى أن «مواطني إسرائيل يتحفّظون على الحكومة الجديدة ويعتقدون بأنها مضخّمة، مثقلة وغير ناجعة» وأنها أيضاً «غير مستعدة لمواجهة المشاكل العسيرة لإسرائيل». وأضاف فريتر أن حكومة نتنياهو الثانية «تنطلق على الدرب بقدمها اليسرى. فالجمهور لا يمنحها أيام رأفة، ربما بسبب العدد الكبير للوزراء ولنواب الوزراء، وربما بسبب كثرة الوزراء بلا وزارات والمناصب الصورية التي ترافقت مع قيامها وربما لكل هذه
الأسباب».
بدوره، رأى المحرر السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنيع، أن هذه الحكومة «ولدت في الخطيئة، بحسب تعبير تسيبي ليفني»، موضحاً أن «الخطيئة كانت قبل كل شيء خطيئتها لأنها سلّمت لأفيغدور ليبرمان القوة لإملاء تركيبة الحكومة وخطوطها الأساس، وهكذا ردّت محاولات نتنياهو ضمّ كديما إلى الحكومة».
ورأى برنيع أن «كل الحكومات تولد بخطيئة كهذه أو غيرها»، وأن «هذه هي الضريبة التي يكون رئيس الوزراء ملزماً بدفعها في النظام الائتلافي».
وأضاف أن «هذه الحكومة تختلف عن سابقاتها أساساً بالكمية: المزيد من الوزراء ونواب الوزراء، المزيد من الامتيازات الشخصية والقطاعية، المزيد من الوعود الفارغة غير المسؤولة، إذا ما أوفي بها، ستفشل رئاسة الوزراء لنتنياهو، وإذا لم يوفَ بها ـــــ ستعرضه ككذاب».
وقال برنيع إن «أرييل شارون كان الأكثر تهكّماً بين رؤساء الوزراء. فقد درج شارون على القول إن السياسي الشبع لا يعضّ. وعليه، فقد وزع الوظائف والألقاب والامتيازات على الجميع. وبحسب برنيع، فإن «نتنياهو رأى وتعلم وتجاوز ما ذهب إليه شارون. فخرجت له حكومة وزراؤها الكبار غير مناسبين، ووزراؤها الصغار زائدون لا داعي لهم».
من جهتها، تطرقت مراسلة الشؤون الحزبية في صحيفة «معاريف»، مايا بنغل، إلى التحديات التي سيواجهها نتنياهو، وهي «تحديات قاسية في المجال السياسي، الداخلي والخارجي، الأمني والاقتصادي».
ففي المجال السياسي، «المهمة الأولى والأكثر أهمية أمام نتنياهو هي بناء علاقات عمل مع الإدارة الأميركية، والتوافق معها على كل ما يتعلق بالملف الفلسطيني، الإيراني والسوري. وهناك أيضاً التحديات الاقتصادية، وأهمها إقرار الميزانية لسنتي 2009 و 2010، حيث ستكون ثمة حاجة في هذه الميزانية إلى تقليص واسع. ولهذا، فإن مهمة إقرارها لن تكون سهلة».
وفي السياق، تطرق نداف أيال في «معاريف» إلى ضغط المجتمع الدولي على حكومة نتنياهو الجديدة وقدرة الأخيرة على إقناع الأوروبيين تحديداً برؤيته. ورأى أيال أنه «إزاء الضغط الدولي، فإن مجال مناورة الحكومة الجديدة محدود جداً».
وأضاف أن «إسرائيل توجد بعد عملية الرصاص المصهور في واحدة من أشد النقاط في تاريخها من جهة الرأي العام الدولي. كذلك فإنه تحت وطأة الصور الصعبة من غزة والنشرات عن جرائم حرب نفذها الجيش الإسرائيلي، توجد الحكومات في أوروبا تحت مطلب عام أخذ في الازدياد للضغط، وفي حالات ما أيضاً لعزل إسرائيل وتصنيفها مثل جنوب أفريقيا». وأشار أيضاً إلى أن «الإدارة الأميركية الجديدة تنشغل بتكتيك خروجها من العراق، وهذا يقتضي تهدئة الشارع الإسلامي العالمي».
وخلص أيال إلى أنه «إزاء تحديات دولية ضخمة كهذه، كان يجب على إسرائيل أن تعرض أمام العالم أشد صورها تمثيلاً وفخامة، والتي تستطيع أن تقنع بأن حكومة نتنياهو تستطيع صنع السلام بل تقديمه أيضاً. لكن ما حصل هو أن نتنياهو اختار الشخص الذي يلائمه المنصب ملاءمة تامة ألا وهو أفيغدور
ليبرمان».