تشهد السعودية في هذه الفترة حالاً من الاضطراب الداخلي، مذهبي الطابع، انعكس على مستوى السلطة في تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء، في خطوة زادت على ما يبدو الخلافات التي تسود العائلة المالكة على خلفية مجموعة من الملفات، في مقدّمها العلاقات العربية ـــــ العربية.على الأقل هذا ما تداوله دبلوماسيون وإعلاميون شاركوا في القمة العربية في الدوحة، حيث كانت معظم الأحاديث في أروقة المؤتمر تدور حول الوضع في السعودية وما يشاع عن أن الخلافات والتباينات إزاء كيفية التعامل مع ملف العلاقات العربية في المرحلة المقبلة تعكس خلافات داخل الأسرة الحاكمة على إدارة الحكم، ربطاً بالوضع الصحي المتدهور لوليّ العهد الأمير سلطان.
ولفت انتباه الحاضرين بلبلة سادت الفريق الإعلامي المرافق للوفد السعودي حيال العلاقة مع ليبيا بعد المداخلة الملتبسة للزعيم الليبي معمر القذافي، الذي أعلن فيها انتهاء خلافاته مع الملك عبد الله. ولوحظ أنه بمجرد خروج القذافي من قاعة المؤتمر وبدء مرحلة البحث عن النص الحرفي لما قاله، تحدث إعلاميون ودبلوماسيون سعوديون عن «استحالة» المصالحة ما لم يعتذر القذافي علناً من الملك عبد الله. وبعد وقتٍ قصير على توزيع الوكالة الليبية الرسمية للأنباء نصّ الكلمة التي تضمّنت هجوماً على الملك عبد الله، سارع أعضاء في الوفد السعودي إلى الطلب من الإعلاميين المرافقين تكرار الكلام عن استحالة المصالحة ما لم يحصل اعتذار علني، وداخل القمة. في تلك الأثناء، كان رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن يبتعد قليلاً عن الأضواء، ليعلن بعد وقتٍ قصير لقاء مصالحة جمع القذافي وعبد الله برعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ما دفع بأعضاء من الوفد السعودي إلى الابتعاد عن زملائهم، فيما تحفّظ آخرون على الإجابة عن أسئلة بشأن حقيقة ما حصل.
إلاّ أن الجانب الأهم كان التدقيق في خلفية قرار الملك السعودي تعيين وزير الداخلية الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ما فسّر بأنه إشارة إلى أنه سيكون وليّ العهد الجديد في حال وفاة الأمير سلطان. ويتحدث البعض عن وجود أسباب عديدة وراء القرار، أبرزها صعوبة تعيين أحد آخر من الإخوة أو الأبناء في منصب وليّ العهد، في ظل احتدام التنافس وكثرة المرشحين. كذلك هناك أسباب تتصل بالمهمات المتوقعة من الحكومة السعودية خلال الفترة المقبلة. وذكر متابعون أن الملك عبد الله يحتاج إلى تعاون وثيق بين رئيس الاستخبارات القريب إليه ووزير الداخلية لمواجهة الأوضاع الداخلية في السعودية، وخصوصاً بعد المواجهات التي شهدتها المدينة المنورة بين أفراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزوار شيعة، والتي انتقلت إلى المنطقة الشرقية، وتحديداً منطقة العوامية التي تسمّى «فلوجة القطيف». هذا فضلاً عن المتابعة الأمنية المتواصلة لعدد غير قليل من مجموعات «القاعدة» والعناصر الذين عادوا من بلاد الرافدين بعد إقامة مجالس الصحوات وطرد المئات من المقاتلين العرب من العراق ولبنان واليمن وسوريا.
ويعتقد البعض أن من شأن تعيين الأمير نايف في منصبه الجديد معالجة المخاوف السعودية بشأن النفوذ الإيراني، بعدما تصاعدت التوترات مع أقليّتها الشيعية، إلى حد تهديد المرجع الشيعي السعودي نمر النمر بالانفصال عن المملكة.
وكان النمر قد أكد في خطبة جمعة، منتصف الشهر الماضي، أن «كرامتنا مرهونة، إن لم تُفَك فسنبحث عن خيارات أخرى، وكل الخيارات المشروعة سنمارسها. بل إذا حال الوضع بيننا وبين كرامتنا فسندعو إلى الانفصال حتى عن هذا البلد، وليكن ما يكون، حتى الانفصال». وأضاف «كرامتنا أغلى من وحدة هذه الأرض، أغلى من وحدة الأمة حتى، ولذلك فلتعي السلطة السياسية، وإلا فلتتحمل مسؤولية تبعاتها...». ومنذ تلك الخطبة التي انتقد فيها موقف السلطة السياسية والدينية من الأحداث التي شهدتها المدينة المنورة، شنّت الحكومة السعودية حملة اعتقالات واسعة ألقت خلالها القبض على 35 شخصاً، فيما تضاربت الأنباء عن مصير النمر بعدما توارى عن الأنظار. وفيما تمنّى شقيقه محمد النمر أن تكون الحكومة «أكثر تعقّلاً وعدالة في الرد على خطبة أخيه، بما في ذلك بحث شكاوى الطائفة»، نأت قيادات شيعية أخرى بنفسها عن تصريحات الشيخ النمر، وإن كانوا يقولون إن الحكومة يجب أن تعالج تنامي غضب الشيعة من التمييز والفقر.
وقال عضو مجلس مدينة القطيف، جعفر الشايب، إن «الشيعة ليس لديهم خطة سياسية لـ(الانفصال) ». ورأى أن النمر «أراد فقط أن يعبّر عن مشاعر الغضب التي تسود».
أمام هذا الواقع، نقلت وكالة «رويترز» عن دبلوماسي آسيوي في الرياض قوله إن السلطات شعرت بالقلق بسبب عدم إدانة شخصيات بارزة من شيعة السعودية للنمر. وأضاف «كان هذا مثل صفعة مزدوجة على الوجه أثبتت صحة وجهة نظر من يدافعون عن اتباع نهج لا ينطوي على حل وسط للمشكلة، والأمير نايف واحد منهم».
(الأخبار، أب، رويترز)