جاء قرار طرد المنظّمات الإغاثية من إقليم دارفور السوداني كارثياً على ملايين اللاجئين، بعدما اتّضح بأن المنظمات الدولية الباقية، ونظيرتها المحلية، غير قادرة على سدّ الفراغ
جمانة فرحات
اختار الرئيس السوداني، عمر البشير، الرد على مذكّرة توقيفه من المحكمة الجنائية الدولية، بطرد أبرز المنظمات الإغاثية الأجنبية العاملة في الإقليم، متهماً إياها بالتعاون مع مدّعي عام المحكمة، ليس مورينو أوكامبو، وتزويده بأدلّة «كاذبة» عن الجرائم، معلناً «سودنة» العمل التطوعي خلال عامٍ واحد.
وبعد مرور أقل من شهر على اتخاذ هذا القرار، اتضح مدى المأزق الذي وضعت الحكومة السودانية نفسها فيه. وهو ما أشارت إليه الأمم المتحدة بوضوح لدى تقديمها في السادس والعشرين من الشهر الماضي، تقريراً مشتركاً مع الحكومة السودانية عن الوضع الإنساني في دارفور.
وقالت منسّقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، عميرة حق، إنه «تمّت تلبية الحاجات الأكثر إلحاحاً في الوقت الحاضر، ولكن بوسائل مرتجلة»، مشيرةً إلى أنه على أثر طرد المنظمات الإغاثية من الإقليم أصبح الوضع حذراً للغاية. وهو ما دفع مجلس الأمن الدولي أيضاً لدعوة السودان إلى العودة عن قراره بطرد المنظمات.
خيارٌ كان السودان واضحاً في رفضه، على لسان مسؤوليه، ولكن ذلك الرفض لم يمنع البشير بعد يومين من صدور التقرير من الإعلان، أثناء زيارة ليبيا، عن استعداد الخرطوم لاستقبال «شركاء جدد» مكان المنظمات الإغاثية المطرودة، في محاولةٍ لسد الفجوة الناشئة عن الوضع الإنساني الذي ازداد تعقيداً، وخصوصاً أن المنظمات المطرودة، وإن لم يتجاوز عددها العشرين في مقابل استمرار أكثر من سبعين منظمة أخرى بالعمل، كانت توفّر أكثر من نصف عمليات الإغاثة الإنسانية، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة
ويعتمد 4.7 ملايين شخص في دارفور على المساعدات الإنسانية. ويبلغ حجم الأموال التي يحتاج إليها هذا الإقليم ما يفوق الملياري دولار سنوياً، ونقصها يعرّض حياة أكثر من مليوني ونصف مليون لاجئ لمزيد من التدهور، الناتج أصلاً من غيابٍ لأبسط مقومات الحياة من ماء وطعام. كذلك يعرّضهم لانتشار الأوبئة في ظل غياب حدٍ أدنى من العناية الطبية، التي كانت توفرها على سبيل المثال بعضٌ من فروع منظمة «أطباء بلا حدود»، التي أجبرت على إغلاق جميع فروعها حتى تلك التي لم يشملها قرار الطرد، بعدما أقدم «مجهولون»، أعلنوا تعاطفهم مع البشير، على اختطاف 4 من موظفي المنظمة.
ولم يكن الوضع الإنساني للاجئين في الإقليم بمنأى عن الاستهداف؛ فقبل أسبوع، أضرم مجهولون النار في أحد مخيمات اللاجئين، ما أدى إلى قتل شخصين، وإحراق الخيم التي تؤوي اللاجئين، فضلاً عن تدمير مركز توزيع الأغذية.
في مقابل ذلك، لا تزال خطوات الحكومة السودانية المتخذة لمواجهة هذا العجز محدودة للغاية. فعلى الرغم من أنها ألزمت نفسها بدعم تسليم المياه وتوفير الرعاية الصحية والغذائية حتى نهاية العام، إلا أن تواضع الخبرات المحلية يقف عائقاً أمام تلبية احتياجات الإقليم. وهو ما أكده أيضاً مسؤول المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، جون هولمز، بقوله إن «الحكومة السودانية لم تفعل ما يكفي لسد الفراغ الناشئ في توزيع المعونة الإنسانية في دارفور».
يضاف إلى كل تلك المشاكل، رفض العديد من مخيمات اللاجئين السماح لمنظمات إغاثية تدعمها الحكومة السودانية بالدخول للحلول محل المنظمات الإغاثية المطرودة، وهو ما واجهته الحكومة في مخيمات كلمة وكاس.
أما على صعيد الخطوات العربية الهادفة إلى مساعدات السودان وسد العجز بناءً على دعوة جامعة الدول العربية لمنظمات ومؤسسات العمل العربي المشترك للمساهمة في جهود الإغاثة في دارفور، فقد اقتصر الإعلان عن تلبية الدعوة على اتحاد الممرضين الأردنيين، فيما أعلنت مصر عن توجّه لإرسال 40 طبيباً للإقليم لتعويض النقص في البعثات الطبية.