مهدي السّيدحظي خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمام البرلمان التركي، أول من أمس، والرسائل التي تضمنها، باهتمام الصحف العبرية، التي تناولت مضمون خطابه بالتحليل الدقيق، ورأت فيه تأكيداً على عزم أوباما وإصراره على حل الدولتين والانطلاق من إرث سلفه جورج بوش وعدم التنكّر له، مع ميل واضح لديه لترجمة هذا الإرث إلى أفعال، الأمر الذي توقع العديد من المحللين أن يؤدي إلى صدام لا مفر منه مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة في ضوء المواقف الأخيرة التي صدرت عن أقطابها، وفي ظل غياب استراتيجية إسرائيلية واضحة المعالم في هذا الشأن، وهو ما وجد ترجمة له، برأي البعض، في محاولة كسب الوقت في انتظار بلورة سياسة إسرائيلية للتعاطي مع الملفات الساخنة في المنطقة.
وكان لافتاً الاهتمام الكبير الذي أولته صحيفة «هآرتس» لمواقف أوباما، إذ رأت، في افتتاحيتها، أنه لم يكتفِ برسم خريطة المصالح الاستراتيجية التي تقوم على أساسها علاقات الولايات المتحدة مع تركيا، بل استهدف أيضاً كل الدول العربية والإسلامية بقدر لا يقلّ عن إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى «الروح المنعشة التي تهبّ من البيت الأبيض». واعتبرتها «تجديداً مباركاً في الشرق الأوسط»، ولفتت إلى أن إسرائيل ملزمة بأن تصغي إلى هذا التغيير وأن تستوعبه. كذلك استنتجت من موقف أوباما المتعلق بالوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا بأن «سوريا شريك جدير». ورأت أن «الرسائل تنتظر الآن تطبيقها» وأن على الأطراف في المنطقة، ومن بينها إسرائيل الاختيار «في ما إذا كانوا شركاء في رؤيا أوباما، أم يفضّلون التحرك على مسار الصدام مع الولايات المتحدة».
وفي هذا السياق، رأى معلق الشؤون العربية في «هآرتس»، تسيفي برئيل، أن أوباما، نقل رسالة قاطعة وواضحة لإسرائيل والفلسطينيين أيضاً. فقد «شرح» بأن خريطة الطريق ومؤتمر أنابوليس، ولا سيما مبدأ الدولتين للشعبين، قائمان وثابتان، حتى لو لم تكن حكومة إسرائيل ترى في أنابوليس إطاراً ملزماً. وهكذا، بحسب برئيل، رسم أوباما مسار الصدام المتوقع بين واشنطن وإسرائيل إذا أرادت الأخيرة التملّص من هذه التفاهمات.
بدوره، تطرق المحلل السياسي في «هآرتس»، ألوف بن، إلى العلاقة بين تل أبيب وواشنطن، التي تجري عبر الخطابات. وأضاف «من السهل أن نرى بأن حكومة نتنياهو وإدارة أوباما لم تطوّرا بعد قنوات اتصال سرية تسمح للطرفين بتنسيق سياستيهما والامتناع عن تصريحات تحرج الطرف الآخر، فالرد الذي خرج من مكتب رئيس الوزراء في القدس المحتلة بعد خطاب أوباما، يرمي أساساً إلى كسب الوقت لغرض بلورة سياسة».
وتناول بن خطاب أوباما بالتحليل من الزاوية الإسرائيلية، فرأى أن أوباما بعث بأربع رسائل إلى نتنياهو: «لا تبذر وقتي على محاولات إلغاء حلّ الدولتين واستبداله برؤيا جديدة، لا تتضمن دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل؛ تبادل السلطة في إسرائيل لا يعفيها من الالتزامات التي أخذتها على عاتقها في عهد بوش في إعلان أنابوليس وفي خريطة الطريق؛ القناة السورية شرعية، ولكنها أقلّ تفضيلاً. سلّم الأولويات المعلن لديه، مثل نتنياهو هو الفلسطينيين أولاً؛ مبادرة أوباما للحوار مع إيران ليست تسليماً بقنبلة نووية إيرانية».
من جهته، لفت عكيفا ألدار في «هآرتس» إلى عدم اكتفاء أوباما بتبنّي طروحات سلفه بوش، والذهاب أبعد من ذلك إلى درجة الوعد بأن يبثّ فيها روح الحياة. وأضاف «ينبغي الافتراض بأن أوباما يعرف بأن بوش تعهد بتحقيق رؤيا الدولتين للشعبين بينما كان لا يزال في البيت الأبيض. ولعل هذا هو السبب الذي جعل النزيل الجديد يعلن بأن ما اعتبر لدى بوش رؤيا هو من ناحيته هدف عملي. هكذا، بينما خلط بوش مبادرة السلام العربية في خريطة الطريق، كي يلقي بعظمة إلى السوريين، جعلها أوباما أحد الأعمدة الداعمة لسياسته الشرق أوسطية». وبحسب الدار، فإنه إذا كان بوش اكتفى بتوزيع الوثائق وعقد المؤتمرات، فإن أوباما سيدفعها إلى الأمام «بشكل فاعل».
وتوقف المحلل السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، عند الضغط الملقى على كتفي نتنياهو. فأشار إلى أنه يتعين عليه أن يبلور لنفسه سياسة واضحة في الأسابيع القريبة، قبل لقائه المرتقب مع أوباما في الأسبوع الأول من شهر أيار. وعليه، سيتعيّن على نتنياهو أن يقرر في الأيام القريبة المقبلة ماذا يفعل في البؤر الاستيطانية غير القانونية، بتجميد المستوطنات، بالطلب الدولي للاعتراف بحلّ الدولتين، وبحقيقة أن أوباما نفسه بصوته، كرر التزام بلاده بمسار أنابوليس الذي استبعده أفيغدور ليبرمان قبل بضعة أيام حين تسلّم مهام منصبه وزيراً للخارجية.