يهيمن على ذكرى مرور 6 سنوات على سقوط بغداد، قلق له ما يبرره لدى معظم الساسة العراقيين، من عودة حزب «البعث» إلى الحياة السياسية
بغداد ــ زيد الزبيدي
يعرف العراقيون، ولا سيما «عراقيو الداخل»، أنه عندما توسع حزب «البعث العربي الاشتراكي» أفقياً ليضم الملايين، فقد صفة «الحزب» بالمعنى الدقيق للكلمة، وأصبح الانتماء إليه شكلياً في غالب الأحيان. حتى إنّ بعض السياسيين قدّروا آنذاك عدد الحزبيين المؤمنين حقاً بالحزب، بما لا يزيد على 2 في المئة من عديد حاملي بطاقات الانتساب إلى صفوفه.
ولعلّ أفضل دليل على ذلك هو أن البعثيين لم يقاوموا الغزو في عام 2003، إلا بعض «الجيوب». إلا أن الاحتلال والساسة القادمين معه دأبوا على عدّ كل من يعارضهم أنه من البعثيين والموالين للعهد السابق، أو الذين يريدون عودة حكمه، وبالتالي تجب معاقبته بقسوة، ما أعطى صورة إعلامية مغايرة للواقع، جعلت من حجم حزب البعث كأنه القوة الضخمة الكبيرة «المترسنة» بالسلاح. صورة جعلت من هذا الحزب «بعبعاً» مخيفاً بالنسبة إلى الجهات السياسية الوافدة من الخارج، كما كان لها مردود على صعيد آخر، إذ جعلت من «البعث» رديفاً لمناهضة الاحتلال.
وبحسب المطلعين على الشأن العراقي، فإنّ هذه التفاعلات جعلت المناهضين للاحتلال «يبحثون عن البعث»، بعدما كان المواطنون يتهربون منه، أي إن الاحتلال ومسانديه أعطوا رصيداً لهذا الحزب ما كان يحلم به في يوم من الأيام، وخصوصاً عندما تكون هناك مقارنة بين الوضع السابق والويلات التي جلبها الاحتلال، والتدمير الذي لحق بالبلاد وبناه التحتية.
إلا أن ذلك لا يوحي، بنظر المتابعين، بعودة قوية قريبة لهذا الحزب. غير أن اللافت هو اتساع دائرة الصورة التي أكسبها إياه الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، إلى حدّ أصبح من يتهمونهم بالانتماء إلى الحزب الحاكم سابقاً، يحظون بالقبول أكثر من غيرهم في الشارع العراقي. وأبرز مثال على هذه الظاهرة الجديدة كان فوز يوسف الحبوبي، نائب محافظ كربلاء في النظام السابق، بأعلى الأصوات في انتخابات محافظة كربلاء الأخيرة، رغم أنه خاضها منفرداً، وبصفة مستقلة. كذلك يسجَّل فوز القائمة التي يرعاها النائب أسامة النجيفي، الذي كان عضواً في برلمان (المجلس الوطني) النظام السابق لدورتين متتاليتين، بـ52 في المئة من مجموع مقاعد مجلس محافظة نينوى، بينما حصل شقيقه، الذي يرأس القائمة، أثيل النجيفي، بمفرده، على الرقم القياسي من أصوات الناخبين على صعيد المحافظات كلها، أي بما يقدَّر بربع مليون صوت.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإنّ الاتهامات التي تُوجَّه إلى بعض قادة «مجالس الصحوة»، بانتمائهم إلى تنظيم سري تابع لحزب «البعث» المحظور، ليست سوى فبركة سياسية، إذ إنّ هذه التهمة تُلحَق بأخرى، وهي التنسيق مع تنظيم «القاعدة»، الذي لم يتفق في أي وقت مع «البعث».
والواقع أن حزب صدام حسين في كونه قوة تنظيمية، ليس له إمكان التحرك اليوم، حتى بالنسبة إلى العراقيين الذين يحنّون إلى الماضي، ما اقتضى إعادة النظر في النسبة المئوية التي كان يتمتع بها قبل الاحتلال، والتي ارتفعت من 2 في المئة، إلى ما يوازي التكتلات السياسية الكبيرة، «التي يمثّل البعثيون السابقون نسبة عالية جداً من كوادرها ومنتسبيها».
ومن هنا ينبع مصدر التخوف الجدي للعديد من الكتل السياسية الحالية إزاء عودة البعث إلى الحياة السياسية، وانقلاب منتسبيها «البعثيين» عليها. أما الحديث عن النظام الجديد والديموقراطية، فلا مكان له على أرض الواقع، ما يدفع البعض إلى التساؤل: «إن كان البعث أجرم بحق العراقيين، فلماذا لا يترك الخيار للشعب العراقي برفضه أو قبوله من خلال انتخابات ديموقراطية؟». ولماذا لا يجري الحديث عن الآخرين الذين أجرموا بحق الشعب، وتعاونوا مع الاحتلال في قتل أبنائه؟
أما الحديث عن «اجتثاث البعث» فكراً وأيديولوجيا، فذلك ما لا يتقبله العقل أو المنطق، لأنّ الفكر يخص عقل الإنسان ومن المستحيل اجتثاثه، ومن ثم ينبغي التذكير بأنّ معظم الساسة الحاليين وأحزابهم، سبق أن تعاملوا وتعاونوا مع هذا الحزب، ولم يكن لديهم اعتراض على فكره وأيديولوجيته التي لا تختلف كثيراً عمّا لدى معظم الأحزاب ذات التوجه القومي.
وفي خلاصة لهذا الحديث الساخن في الذكرى السادسة لسقوط بغداد، يعتقد طيف واسع من الشارع العراقي، أنّ التخويف من «عودة البعثيين»، ليس سوى انعكاس لما يلمسه المسؤولون الحاليون من فشلهم وخيبتهم من سنوات حكمهم السابقة.