القاهرة | آمال كبيرة تعقدها الحكومة والرئاسة المصرية على القمة الاقتصادية (مؤتمر المانحين) منتصف آذار المقبل، لعودة الاستثمارات الأجنبية وإنقاذ اقتصاد البلاد من عثرته. النظام استعد للحدث «المنقذ» بحزمة إجراءات؛ أهمها إصدار تشريع موحد للاستثمار يضم «امتيازات لانهائية» للمستثمرين، تصل إلى حد تخصيص الأراضي من دون مقابل للمستثمرين مهما كانت جنسياتهم، وكذلك الإعفاء من الضرائب، في ظل غياب ضوابط تضمن منع تكرار إهدار المال العام ببيع أراضي الدولة وشركاتها إلى المستثمرين بأقل من سعرها السوقي، كما حدث في صفقات شركات القطاع العام في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك.
إجراء أطلق عليه «قانون الامتيازات الأجنبية في مصر»، إذ تبنى وزراء المجموعة الاقتصادية في حكومة إبراهيم محلب منذ حزيران الماضي، توجهاً إلى ضرورة إيجاد قانون موحد للاستثمار يجمع الأحكام المنظمة لقواعد الاستثمار. أيضاً سعوا إلى توحيد جهات التراخيص في جهة واحدة، لذلك على «الهيئة العامة للاستثمار» تطبيق أحكام هذا القانون. ورغم أن ما يزيد على عشر وزارات من الحكومة تعمل منذ أكثر من ستة أشهر لإنجاز هذا القانون، فإن جهدهم لم يسفر سوى عن 13 مسودة تحقق امتيازات لانهائية للمستثمرين.
وسط ذلك، أعلن وزير الاستثمار أن وزارته تفكر في تعديل القانون الحالي للاستثمار (قانون حوافز وضمانات الاستثمار)، بدلاً من إعداد قانون موحد، ولكنه سرعان ما عاد عن تصريحاته وأعلن انتهاء وزارته من إعداد المسودة الأخيرة للقانون تحت اسم «قانون تطوير منظومة الاستثمار»، ثم أرسلها إلى لجنة الإصلاح التشريعي التي تعدّ القوانين منذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، من أجل إقرارها.
هذه المسودة الأخيرة لاقت ترحيباً من عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين أكثر مما سبقها من مسودات طرحتها جهات عدة كوزارة الدفاع والهيئة العامة للاستثمار، لأن الأخيرة، كما يرون، تفترض في المستثمر الأجنبي «حسن النية». إذ يقول أستاذ الإدارة والاستثمار في جامعة القاهرة، هشام إبراهيم، إن من الجيد إعادة ثقة المستثمرين في مصر، موضحاً أن القانون «في مجمله» يشجع على الاستثمار، ويساوي بين المستثمر المصري والأجنبي.
ولا يجد إبراهيم تحفظاً سوى على المادة التي تعطي لرئيس الوزراء سلطة تخصيص الأراضي للمستثمرين من دون مقابل، مطالباً بتعديلها لأنه «ليس من الطبيعي أن تقيّد سلطة التصرف في موارد الدولة الاقتصادية في يد شخص واحد، بل يجب أن تكون هناك سلطة لتخصيص وتمليك أراضي الدولة». وعن النص الخاص بالتملك مهما كانت جنسية الشركاء، يقول الأستاذ الجامعي: «الاقتصاد ليس له شأن بالسياسة، فما المانع من تملك الإسرائيليين لأراض مصرية مثلاً؟».
وينص المشروع الجديد على إنشاء هيئتين: الهيئة العام للاستثمار، والهيئة المصرية العامة للترويج للاستثمار، الأولى دورها دور الموظف في استخراج التراخيص المرتبطة بتسهيل عمل المستثمرين، والثانية تعمل لجذب المستثمرين (التسويق).
في المقابل، يرى مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خالد علي، أن القانون «يقدم تضحيات من أموال الشعب وثرواته»، لافتاً في تعليقه على المسودة المقترحة إلى أنه «أشبه بقانون الامتيازات الأجنبية، فهو لا يلزم المستثمر بأي أهداف مقابل الحوافز والضمانات... حكومات مبارك سبق أن أعطت امتيازات تصل إلى حد التفريط في الأرض للأجانب من دون أن يعود ذلك على الاقتصاد الوطني بأي مميزات».
خلوّ القانون من تحديد الجنسيات قد يتيح المجال لتملك إسرائيليين أراضي مصرية

ويقول علي إن القانون «محاولة لجذب المستثمرين من دون أي خطة اقتصادية ورؤية واضحة»، مضيفاً إن «من المواد ما يمنع الطعن في الجرائم التي يرتكبها المستثمر قبل أخذ موافقة الهيئة العامة للاستثمار، وهو ما يكرس قوانين خلافية مطعوناً فيها أمام المحكمة الدستورية، مثل قانون الطعن في العقود الذي لا يزال محل نزاع قضائي». كذلك، فإن القانون، وفق الخبير الاقتصادي، يفتح الباب لتملك أي جنسية كالإسرائيليين للأراضي المصرية، وأيضاً يهدر مبدأ الفصل بين السلطات، «لأنه يعطي رئيس الوزراء سلطة تمليك الأراضي وإعفاء المستثمرين من الضرائب بلا أي رقابة قضائية، وأيضاً هو يمكّن المستثمرين من الاعتماد على العمال الأجانب في المناطق الحرة من دون وضع نسبة للعمالة المصرية».
عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، المستشار هشام رجب، نائب رئيس اللجنة الاقتصادية المختصة بتلقي مقترحات الوزارات المعنية بتنفيذ القانون، يقول إن اللجنة استمعت إلى مطالب الجهات الاقتصادية المعنية بالقانون، إلى جانب رؤية وزير الاستثمار نفسه، ولم يتبق أمامها سوى سماع مقترحات رجال الأعمال والمستثمرين وموقفهم من القانون في صورته الأولية. وأضاف رجب إن اللجنة حددت جلسة الرابع عشر من الشهر الجاري للاستماع إلى المستثمرين في حضور رئيس الوزراء، وعلى ضوء الملاحظات النهائية «ستعدّ اللجنة الاقتصادية تقريراً برأيها القانوني في المسودة، ثم ترفعه إلى اللجنة العليا للإصلاح التشريعي لاتخإذ إجراءات إصدار القانون في موعد أقصاه بداية شباط المقبل».
إلى ذلك، كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحكومة، بتشكيل مجلس أعلى للاستثمار قبل المؤتمر الاقتصادي (المانحين). وطبقاً للمستشار القانوني لوزير الاستثمار، طه عبده، فإن المجلس سيصوغ الاستراتيجية العامة للاستثمار التي ستعمل على ضوئها كل من الهيئة العامة إلى جانب هيئة تنشيط الاستثمار، وكذلك التنسيق بين الجهات داخل مصر وخارجها. ويرى عبده، الذي تحدث لـ«الأخبار»، أن هذا الجهاز (المجلس) سيكون ضامناً لسلامة العمل، إذ سيحدد المجالات التي تحتاج مصر إلى الاستثمار فيها، والدول التي يجب التعاون معها في تلك الاستثمارات.