هآرتس ــ تسفي بارئيل«لا تعارض إسرائيل الحوار الأميركي مع إيران». هذا ما نقلته الصحف عن «أعوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو» يوم الجمعة الماضي. تبعث الصياغة الاعتزاز في النفوس، وكأن إسرائيل هي التي تسمح لواشنطن بالتفاوض مع إيران أو عدمه.
قبل نشر ما نقل عن ديوان رئاسة الوزراء في صحيفة «هآرتس» بيومين، أفادت صحيفة «معاريف» بأن رئيس الوزراء راضٍ جداً عن التحضيرات «للخيار العسكري» ضدّ الجمهورية الإسلامية. وهو تلقى تقريراً من رئيس هيئة الأركان الجنرال غابي أشكينازي و«فوجئ بصورة إيجابية من تقدم التدريبات الجارية للتصدي للمشروع النووي الإيراني».
من الممكن الاطمئنان إذاً. ديوان رئيس الحكومة يسيطر على الأوضاع. يوم الأربعاء يعبّرون عن الجهوزية لشن حرب على إيران، ويوم الجمعة يوافقون على الحوار معها. في هذه الأثناء، يتبين لنا أن حوار ديوان نتنياهو مع وسائل الإعلام يسير جيداً، وأنّ كل شيء مرتّب ومنظم على الورق: التهديد الإسرائيلي جاهز لمواجهة التهديد الإيراني.
ربما كان يجدر التذكير بأن إيران لا تمتلك سلاحاً نووياً بعد، لكن لديها صواريخ قادرة على الوصول إلى إسرائيل. قد يسير السيناريو على النحو الآتي: بينما تشق طائرات سلاح الجو طريقها نحو مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران، تنطلق الصواريخ الباليستية الإيرانية نحو الأهداف الإسرائيلية. تقوم إسرائيل بالقصف وستتلقى ضربة شديدة. هذا هو التهديد الملموس والمباشر. لكن يبدو أنّ واشنطن ــ باراك أوباما ترى الصورة بطريقة أكثر تعقيداً.
إيران هي الدولة التي ساعدت أميركا في حربها على «القاعدة»، وهي العمق الاقتصادي المهم لأفغانستان. إيران ستحرص على أن يبقى العراق دولة مستقرة نسبياً بعد أن يخرج الأميركيون منها. كذلك فإن طهران تُعدّ مكافِحة ناجعة لتجارة المخدرات الآتية من أفغانستان، وقد تمدّ باكستان والهند بالنفط من خلال أنبوب يمتدّ لهذه الدول الموالية للغرب.
كانت إيران حتى الآونة الأخيرة ساحة لعب للجميع، من روسيا والصين حتى فرنسا واليابان. وحدها الولايات المتحدة هي التي وقفت خلف الجدار. إيران تعدّ نفسها، بدرجة كبيرة من الحق، دولة إقليمية عظمى، وليس لديها استعداد للسماح للآخرين بإدارة المنطقة وحدهم، في الوقت الذي تعدّ فيه هذه المنطقة دائرة نفوذها الطبيعية.
لا يتعلق الأمر بتصدير الثورة الإيرانية التي فشلت منذ زمن، بل باكتساب نفوذ وتأثير على المجريات السياسية في المنطقة. هذا صراع على الزعامة في مواجهة مصر والسعودية ومنافسة مع تركيا وخوف من روسيا وخشية من باكستان والهند النوويتين. صراع بدأت الولايات المتحدة أيضاً تدرك مزاياه بالنسبة إليها.
الحوار مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لم يبدأ على خلفية التهديد النووي، بل بالتحديد في مسألة العراق. لقاء إدارة أوباما الأول مع إيران، الذي عقد في نهاية الشهر الماضي، لم يجرِ مرة أخرى حول الملف النووي، بل حول أفغانستان.
يبدو أن أوباما يتبنى بصورة كاملة تقرير جيمس بيكر ولي هاملتون، الذي صدر في عهد جورج بوش، بعدما أوصيا بدمج إيران بالمجريات السياسية في المنطقة. اقتُرح هذا الدمج على إيران أيضاً في إطار رزمة التعزيز التي عرضت عليها في الصيف الماضي من مجموعة الدول الست (5 + 1).
تتحول إيران رويداً رويداً إلى «بلاد الفرص السياسية» إلى جانب كونها تهديداً. يرونها دولة قادرة على التأثير على حركة «حماس» وبالتأكيد على حزب الله، وكذلك على سوريا في قضية المفاوضات مع إسرائيل أكثر من السعودية ومصر. كذلك يرون أنها تستطيع تقديم الدعم في الحرب الدولية الجارية في أفغانستان لإضفاء الاستقرار على العراق.
وخلافاً لكوريا الشمالية، أو حتى باكستان النووية، ترتكز سياسة الولايات المتحدة نحو إيران على أكثر من هدف لكبح تسلحها النووي. في المناطق القابلة للاشتعال التي تخوض الولايات المتحدة فيها صراعاتها، هناك حاجة لأن تكون إيران إلى جانب واشنطن، لا ضدها.
يشير استعداد واشنطن للتفاوض مع إيران ــ أحمدي نجاد وعدم انتظار نتائج الانتخابات الرئاسيّة الإيرانية المقررة في حزيران المقبل، إلى رؤية واقعية تبعث على التجديد.
هذا هو الواقع الذي ستضطر إسرائيل إلى التأقلم معه. وفي هذا الوقت، بإمكان ديوان نتنياهو أن يواصل بعث الرسائل: في الصباح يتفاخرون بالتحضيرات الجارية للهجوم العسكري، وفي المساء يظهرون كأنهم يفرضون قواعد اللعبة في الحوار الجاري. لكن في حلبة الرقص، تجري الرقصة الأهم بين أميركا وإيران، والأجدر بديوان نتنياهو هو الآخر أن ينتقل إلى مقعد المتفرجين.