لا يزال التوتّر يخيّم على مدينة العوامية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعوديّة، على الرغم من مرور أكثر من شهر على إطلاق السلطات حملة لاعتقال الشيخ الشيعي نمر النمر، بعد تهديده بالانفصال.وبحسب تحقيق لوكالة «رويترز»، فإن المنطقة تبدو كأنها لا تمثّل المملكة على الإطلاق، نظراً إلى الشعارات والكتابات المناهضة للحكومة التي تنتشتر فيها؛ فالخوف من دخول السجن لم يعد يكبح الانتقادات للحكومة، ما يدل على أن المزاج السائد الآن في المنطقة مشتعل أكثر من العادة، وهو ما جعل المدينة تمتلئ بشعارات مثل «لتسقط الحكومة» و«الموت للخونة»، وذلك على الرغم من تخفيف السلطات لإجراءتها الأمنية المشددة في المنطقة، بعد مبادرات من قيادات شيعية.
ويعود التوتر في المدينة إلى أكثر من شهر، عندما خرج المئات من الشيعة في تظاهرات تنديداً بقيام الشرطة بحملة بحث واسعة عن الشيخ النمر. وكان النمر قد استفزّ السلطات السعودية عندما ألقى خطبة، في معرض تعليقه على الاشتباكات التي اندلعت بين الشرطة الدينية السنّية وزوار شيعة في المدينة المنورة، حذر فيها من أن الشيعة قد يسعون في يوم من الأيام إلى الانفصال عن المملكة إذا استمرت الدولة في ممارسة سياسات تمييزية ضدهم.
ورأى أحد سكان المدينة، ويدعى نصر الله محمد فرج، كان من بين مئات الموقعين على عريضة تطالب الشرطة بوقف عمليات البحث عن الشيخ النمر، أن مثل هذه «الكتابات تؤكد حقيقة أن الشيعة المعتدلين يفقدون تأثيرهم على الرأي العام». وقال إن «النمر كان يعبّر فقط عما تشعر به الغالبية هنا». وأضاف «رغم أن خيار الانفصال غير مطروح على الطاولة، لا تستطيع منع الناس من التفكير فيه».
هذا الطرح الانفصالي الذي يقول دبلوماسيون إنه لم يسبق له مثيل منذ الثورة الإيرانية، أثار مخاوف المسؤولين السعوديين باعتباره من المحرمات الأساسية في المملكة. ويقول المحللون إن تصاعد نفوذ إيران والشيعة في العراق بعد الغزو الأميركي أعاد إحياء مخاوف المسؤولين الرسميين في السعودية من أن يُستخدم الشيعة في السعودية ضد الدولة.
وتتركز المخاوف على إمكان اندلاع اضطرابات في المنطقة الشرقية إذا تعرضت إيران لهجوم من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة بسبب برنامجها النووي، أو أن الوضع يمكن أن يصبح أكثر صخباً إذا توصلت إيران إلى اتفاق مع واشنطن. وقال عضو مجلس الشورى السعودي محمد زولفا، إن «ما يخيف المجتمع السعودي برمته هو أن يُستخدم الشيعة السعوديون جسراً للقوى الخارجية، بحجة الدفاع عن الحقوق».
وفي محاولةٍ لتهدئة الأوضاع والمخاوف الرسمية السعودية، أصدر العديد من رجال الدين الشيعة وقادة المجتمعات المحلية، بمن فيهم الشيخ حسن الصفار، بياناً رفضوا فيه دعوة النمر، والتقوا للغاية نفسها وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، الشهر الماضي. وقالوا بعد الاجتماع «إننا نؤكد مجدداً التزامنا وحدة الوطن الحبيب... ونرفض أيّ تهديد لوحدته وتماسكه، ونقف صفاً واحداً وراء القيادة الحكيمة». وانعكست تحركات القيادات الشيعية إيجاباً على الأوضاع في العوامية، إذ خففت السلطات السعودية من إجراءاتها الأمنية المشددة، وسحبت قوات مكافحة الشغب من المنطقة.
وتقول امرأة من العوامية، رفضت الكشف عن اسمها، «إن الحالة بدأت تهدأ»، مشيرة إلى أن عناصر «شرطة مكافحة الشغب قد غادروا».
(رويترز)