وفاة 4 مرضى هيموفيليا بسبب عدم إقرار موازنة الدواءغادة دندش
«موازنتكم ستقتل ابني» هذا ما قالته فاطمة للمدير العام لوزارة الصحة وليد عمار خلال المؤتمر الصحافي الذي نظّمته الجمعية اللبنانية للهيموفيليا بالتعاون مع شركة «نوفو نورديسك فارما» في الموفينبيك أمس في مناسبة «اليوم العالمي للهيموفيليا». وخلف مخاوف فاطمة أزمة حقيقية يعانيها مرضى الهيموفيليا في لبنان، سببها نقص كبير في توفير وزارة الصحة للأدوية منذ العام الماضي! ويبلغ عدد المصابين بالهيموفيليا وسائر أمراض تخثر الدم 500 مصاب، 50% منهم دون 18 عاماً، و60% يعانون إعاقات جسدية، وكلهم يعانون أزمة نقص الأدوية تهدّد حياتهم. ووزارة الصحة هي ملجأهم الوحيد لأن كلفة العلاج باهظة جداًوتبلغ لوحدة الدواء دولاراً أميركياً واحداً، والمعروف أن المريض يحتاج، إذا كان طفلاً إلى 1500 وحدة لكل حالة نزف، أما الناشئ فيحتاج إلى 3 آلاف وحدة، والراشد إلى 6 آلاف... ويمكن أن يتعرّض لأكثر من حالة نزف في الشهر.

لا موازنة لا علاج!

فعلاج الهيموفيليا هو عملة نادرة في لبنان، حيث تسلمت الجمعية اللبنانية للهيموفيليا من الاتحاد العالمي للهيموفيليا هبة بمقدار 300 ألف وحدة من عوامل التخثّر خلال العامين 2007 و2008 وهبة بمقدار 100 ألف وحدة خلال 2009 لغاية تاريخه، فيما تقدّم وزارة الصحّة كمية محدّدة من عوامل التخثّر لعلاج كل مريض، وتتراوح هذه الكمّية بين 2000 و3000 وحدة للمريض شهرياً، ولا تتوافر سوى 6 أو7 أشهر خلال السنة.
ولندرة الدواء قصّة، إذ قدّمت الجمعية (انطلاقاً من توزيع عدد المرضى حسب نوع المرض) دراسة عن الحاجات الدنيا للعلاج بعوامل التخثّر، وذلك في تشرين الثاني 2008، وقد أخذت الجمعية في الاعتبار حصول ثلاث حالات نزف بالشهر عند الأطفال والشبّان وحالتين عند الراشد. ووافق وزير الصحّة محمد جواد خليفة على الكميات المقترحة للعلاج، إلا أن رئيسة الجمعية صولانج صقر أكدت أنه «لغاية تاريخه لم تُجرَ المناقصة لشراء الأدوية بسبب عدم إقرار الموازنة العامة، ما يضع أكثر من 180 مريضاً معرّضين للنزف في أية لحظة من دون علاج وفي خطر شديد»، وقالت: «أفرجوا عن موازنة الدولة، وليحلّ السياسيون مشاكلهم من دون المراهنة بحياة الناس».
وأكّد الوزير خليفة لـ«الأخبار» أن «زيادة كمّية الدواء لرعاية أشمل تتناسب مع المعايير العالمية تحتاج إلى زيادة 10 مليارات ليرة لبنانية إلى موازنة الدواء»، لافتاً إلى أن سبب النقص في كمية الدواء يعود إلى «تحويل جميع المرضى من الضمان والجيش وتعاونية موظفي الدولة إلى وزارة الصحة، التي باتت مضطرّة إلى تغطية حاجات جميع هؤلاء المرضى من العلاج، بالإضافة إلى حاجة المرضى المسجّلين لديها. وهذا الأمر زاد من حدّة النقص الكبير في كميّة الأدوية لدى الوزارة»، لافتاً إلى وجود «مشكلة أخرى تتعلق بتخزين المرضى كميات من أدوية المعالجة، ما يؤدي إلى نقص في الوزارة»، فيما المعروف عالمياً أن مريض الهيموفيليا بحاجة إلى الاحتفاظ بحقنة على الأقل في منزله بصورة دائمة، لمجابهة النزف الطارئ ريثما يصل إلى المستشفى!

انعكاسات الأزمة

أما انعكاسات أزمة نقص العلاج فهي الموت، إذ شهدت الفترة بين أيلول 2008 وحتى اليوم وفاة أربعة شبّان مصابين بمرض الهيموفيليا من جراء نقص الدواء في الوزارة، ومن بين هذه الحالات، واحدة سلطت الضوء على كيفية التعامل مع مرضى الهيموفيليا. ففي مطلع آذار الماضي شعر سمير البالغ 27 عاماً والمصاب بالهيموفيليا «أ» بألم في خاصرته وكان بطنه منتفخاً وكذلك رجلاه، ونقل في سيّارة، لكنّه لم يصل إلى المستشفى وفارق الحياة. سمير كان قد توجّه قبل 5 أيام إلى الطوارئ في مستشفى حكومي ورفض الطبيب استقباله لعدم توافر أدوية المعالجة، فقصد مستشفى غير حكومي ولم يُوافق على إعطائه الـ«كريو» على الرغم من طلب طبيبه المعالج!
وإذا كان العلاج في لبنان صعباً، فاستيراده أصعب، إذ أكّد أحد أهالي المرضى أن لديه فرصة في توفير الدواء من الخارج، لكن قيمة الرسوم الجمركية لا تسمح له بذلك. واشتكى من النقص في التدابير المتّخذة من وزارة الصحّة لتسهيل هذا الأمر. فيما أشار خليفة إلى أن هناك إجراءات لدى الوزارة تتضمّن تقديم المريض لوصفة طبّية بالدواء والتأكيد أنه لاستخدامه الشخصي، وحينها توقّع الوزارة بسرعة «لا تتجاوز ثلاث دقائق» للسماح له باستيراد الدواء من الخارج من دون كلفة إضافية.

اتفاقيات مهملة

وأشارت صقر إلى أن الجمعية حضّرت مع وزارة الصحّة «اتفاقية الشراكة الشاملة لتطوير الرعاية»، وذلك بالتعاون مع الاتحاد العالمي للهيموفيليا، ووقّع عليها في 7 تمّوز 2006 وزير الصحّة. كذلك أُلِّفَت هيئة وطنية للهيموفيليا مشتركة بين وزارة الصحة والجمعية بقرار من وزير الصحّة في 27 أيلول 2008. إلا أنه على الرغم من اختلاف الخطط الموضوعة لتوفير سبل الرعاية والعلاج، يبقى عنصر الدواء ركيزة أساسية في إنقاذ حياة المريض. هذه الركيزة، كما تقول شريحة واسعة من أهالي المرضى وكذلك الجمعية، غير متوافرة كفاية في لبنان، حيث تتركز المطالب على تفعيل فرق العمل المختلفة والمتعددة الاختصاصات في مجال الصحة والعلوم الإنسانية، وذلك لتوفير العلاج والرعاية الشاملة من تشخيص صحيح وعلاج سريع ومناسب للهيموفيليا، والمحافظة على صحة المفاصل والعضلات، والحدّ من حالات الاستشفاء وتوفير التوجيه والمساندة للمصابين وعائلاتهم. وفي مناسبة اليوم العالمي للهيموفيليا، الذي يحتفل به الاتحاد العالمي للهيموفيليا والجمعيات الوطنية للهيموفيليا في العالم في هذا العام تحت شعار «معاً نعتني بهم»، تمنت صقر أن تكون هذه المناسبة نقطة تحوّل إيجابية في عالم مرضى الهيموفيليا في لبنان، وأن يعي المعنيون في الدولة مدى خطورة مسؤولياتهم تجاه هذه الفئة من المواطنين.


77 في المئة

هي نسبة المرضى بالهيموفيليا الذين تغطي وزارة الصحة علاجهم، ويصل عددهم إلى 180 شخصاً، فيما يغطي الضمان 10% من المرضى، وتعاونية موظفي الدولة 3%، وتتوزع النسب الباقية على صناديق الجيش وقوى الأمن وجهات أخرى.


يمكن الحياة أن تكون طبيعية