هآرتس ـ شلومو أفنيريالسيناتور السابق، جورج ميتشل، الذي استهل صبيحة أمس محادثاته في إسرائيل، ليس بحاجة إلى نصائح كثيرة: هو سياسي مجرب ذو إنجاز رئيسي هو تحقيق الاتفاق بين الغالبية البروتستانتية والأقلية الكاثوليكية في إيرلندا الشمالية. مع ذلك، يجدر به، وهو المبعوث الخاص لرئيس الولايات المتحدة للشرق الاوسط، أن يلتفت إلى عدة جوانب مميزة للصراع هنا.
الصراع في إيرلندا ديني في أساسه بين طوائف تتحدث اللغة نفسها وتتشاطر التاريخ نفسه. أما هنا، فالصراع يدور بين حركتين قوميتين، وله مظاهر دينية أيضاً. وفيما لم يشكّك أحد في إيرلندا الشمالية بحق بريطانيا في الوجود، يشكك الكثيرون في الجانب الفلسطيني بشرعية الدولة اليهودية، ويشكك قسم من الإسرائيليين بحق وجود القومية الفلسطينية.
رغم ذلك، يجب أخذ ما يمكن تعلمه من إيرلندا الشمالية: نزع سلاح الميليشيات كان شرطاً مسبقاً لإجراء الانتخابات. فشل الانتخابات في السلطة الفلسطينية ينبع من أن الحركات التي شاركت فيها كانت في الأساس ميليشيات مسلحة. وضع حد للحرب الأهلية الداخلية الفلسطينية، وضمان التطور الديموقراطي، يستوجبان عدم التنازل في هذه القضية: الانتخابات يجب أن تكون مشروطة بنزع سلاح كل الميليشيات.
إحدى المخاطر التي ستواجه ميتشل هي الحاجة إلى معالجة القضايا الجارية أيضاً، مثل التوصل إلى التهدئة الفعالة بين إسرائيل و«حماس» في غزة، وإعادة إعمار القطاع وفتح المعابر. بهذه الطريقة، قد تتجزأ مهمته إلى أجزاء: بدلاً من التركيز على عملية السلام، سيجد نفسه غارقاً في تفاصيل التفاصيل داخل الأزمات الجزئية. من المهم هنا استخدام تفكير خلاق وإبداعي.
حتى من أيّد عملية أوسلو لا يمكنه أن يتجاهل أن أسباباً جوهرية وقفت وراء الفشل إلى جانب العقبات التي طرحها كل جانب: عملية أوسلو كانت محاولة لبناء مؤسسات دولة وطنية فلسطينية من الأعلى إلى الأسفل، وقد فشل لأن المجتمع المدني الفلسطيني لم تلد من رحمه الأدوات الضرورية لإقامة البنية التحتية للدولة.
خلال العامين الأخيرين، جرت محاولات ناجحة على يد مبعوث الرباعية للشرق الأوسط، طوني بلير، والمنسق الأمني الأميركي في السلطة الفلسطينية، الجنرال كيث دايتون، لبناء المؤسسات الفلسطينية من الأسفل إلى الأعلى. وقد حصل ذلك من خلال بناء مؤسسات بلدية ومناطقية، وتعزيز البنى التحتية الاقتصادية وبناء أجهزة أمن قادرة على أداء مهمتها. في جنين وبيت لحم وحتى في الخليل، تمخضت عن هذه المحاولات نجاحات مثيرة.
هذه الخطوات لا تشبه «السلام الاقتصادي» الذي يطرحه بنيامين نتنياهو الهادف إلى إيجاد بديل للدولة الفلسطينية. بل بالعكس، هذه المحاولة الوحيدة التي نجحت حتى الآن في إقامة بنى تحتية حقيقية للدولة. صحيح أنها عملية تدريجية تستغرق وقتاً، لكن العملية الأخرى، من الأعلى إلى الأسفل، قد فشلت. هذه مسألة يجب الاعتراف بها.
وهناك ملاحظة أخيرة في المسألة السورية: إحدى العقبات هنا هي الفجوة بين الموقف الإسرائيلي الذي يركّز على الحدود الدولية بين أرض إسرائيل الانتدابية وسوريا، والموقف السوري الذي يركز على خطوط الرابع من حزيران 1967. من الأجدر بميتشل أن يوضح نقطة حساسة للسوريين عند اللقاء بهم: هل ينبع موقفهم فقط من محاولة الحفاظ على إنجازات احتلالهم في عام 1948، أم أنه أعمق من ذلك: عدم الاعتراف المبدئي بشرعية الحدود الدولية في الشرق الأوسط لأن الإمبريالية الغربية هي التي فرضتها بعد الحرب العالمية الأولى. هذه ليست مسألة نظرية، وقد توضّح موقف سوريا من لبنان وقضايا أخرى في المنطقة.