أكثر من 3.5 ملايين دولار أُنفقت «بلا جدوى»محمد وهبة
أنشأت إدارة حصر التبغ والتنباك مصنعاً لإنتاج «المعسّل» تحت اسم «شَبَبلك» بنكهة التفاح، لكن الإنتاج توقف بعد فترة غير طويلة، بعدما تجاوزت الكلفة الإجمالية للمشروع 3 ملايين دولار. فالسوق، بحسب مصادر موثوقة، «كان خاضعاً لسيطرة اثنين من كبار التجار يستحوذون على 90 في المئة منه، وبالتالي فإن أي منافسة ستضرّ بمصالح هؤلاء، وبعلاقة بعض النافذين في المؤسسة مع هؤلاء التجار، ولذلك كان الهمّ إبعاد المنافس الجديد».
واليوم تبحث إدارة الحصر عن تلزيم المصنع بصيغة أسوأ بكثير من صيغ الخصخصة. فهي تسعى، بحسب المصادر أيضاً، مع كل من وكيل معسّل «الفاخر» وشركة «غراسام»، إلى تلزيم تشغيل المصنع بمردود ثابت من دون أن يتحمل المشغّل أي كلفة، فالإدارة ستتحمل كلفة الموظفين وثمن البضاعة وتسويق الإنتاج وبيعه!

إضافات على الكلفة

وكانت فكرة إنشاء مصنع للمعسّل في لبنان قد ظهرت قبل أكثر من 10 أعوام، حين أَجمَع كثير من المتابعين لعمل «الريجي» على أنه يمكن إنشاء المصنع لتصريف إنتاج التبغ اللبناني، ولا سيما أن مصر ودول الخليج تصنّع «المعسّل» ولا تزرع التبغ، فيما لبنان يزرع نحو 9 آلاف طن تبغ سنوياً تشتريه «الريجي» بكلفة مدعومة، فتبيع الجزء الأكبر منه وتصنع سجائر «سيدرز» بالباقي. في عام 1999 وافق وزير المال السابق جورج قرم على إنشاء المصنع، ثم تولى رئيس الحكومة الحالي فؤاد السنيورة وزارة المال، فصادق على الالتزام. وكانت قيمة عقد النفقة الأوّلي لتشييد المصنع على أرض تملكها إدارة الحصر قد تجاوزت مليون دولار، تقول المصادر، «ثم تطوّرت كلفة تشييد المبنى وتجهيزه، متجاوزة 2.5 مليون دولار».
وبالتوازي مع عملية البناء، وُضع دفتر شروط تقني ــــ إداري يتضمن خلطة أو وصفة المعسّل، والآلات الأوتوماتيكية للفرم والفرز والخلط والتعليب، فتقدّمت ثلاث شركات إلى المناقصة وأُعيدت 3 مرات كانت نتيجة الأخيرة منها فوز شركة «غراسام» التي يرأس مجلس إدارتها كريكور أرام نهابديان.
في مطلع 2005 تسلّمت «الريجي» المبنى والآلات، وعُيّن 42 موظفاً لتشغيل المصنع عبر مجلس الخدمة المدنية. وأطلق على المنتج الجديد اسم «شَبَبلك»، وأنجزت التحضيرات الخاصة بالعبوة وشكلها والشعار التجاري بإشراف وتلزيم مختصين... وصولاً إلى حملة إعلانية قامت بها شركة «TBWA»، وتردد أن ما أسهم في حصولها على هذ العقد بأكثر من 300 ألف دولار سببه علاقتها المتينة بالوزير السابق شارل رزق. وبنتيجة جميع هذه العناصر ارتفعت الكلفة الإجمالية للمصنع إلى أكثر من 3.5 ملايين دولار.

النكهة الرديئة

وبدأ إنتاج المعسّل بعدما أجريت تجارب وصفتها مصادر المعمل التي لديها باع طويلة بأمور تصنيع الدخان والتبغ بأنها «بسيطة ولا تكفي لعرض الإنتاج في السوق للاستهلاك». وقد ذكر عاملون في المصنع أن 300 صندوق «شَبَبلك» لم تُصرف وربما أُتلفت لاحقاً، أي حوالى 15 ألف كروز أو 150 ألف علبة من وزن 50 غراماً، وما يوازي 7.5 أطنان معسّل يبلغ ثمنها للمبيع بالمفرق 225 مليون ليرة (149 ألف دولار). وقد بلغت كلفة إنتاج الكيلو الواحد 6 دولارات، أي إن الفارق بين كلفة الإنتاج والمبيع بالمفرق للصندوق الواحد بلغ 13.8 دولاراً كانت تذهب أرباحاً إلى «الريجي» وتجّار الجملة والمفرق... وإلى غيرهم.
وعلى عكس التوقعات، لم يكن الأمر مربحاً لـ«الريجي»، فقد تبين بحسب مصادر المعمل، أن هناك «عيباً ما في النكهة، فالناس لم ترغب تدخين (أو نرجلة) هذا النوع، ولم يجرِ تحسين التركيبة أو الوصفة المدفوع ثمنها، التي يُفترض أن يكون قد أَشرَف على تركيبها خبراء في التبغ والتدخين». وهذا يثير الشبهات بشأن الاستعجال في طرح المنتج في السوق، ولا سيما بغياب خطّة تسويقية، باستثناء خطوة واحدة تمثّلت في زيادة أسعار المعسّل المنافسة، ما زاد أرباح المنافسين بسبب عدم رغبة المستهلك في شراء «شببلك» ذي النكهة الرديئة.

منافسة أم منفعة؟

ولم يتجرأ أحد على الإفصاح عن أسباب عدم تحسين «الريجي» نوعية المنتج، وظلت هذه الأسباب متداولة في حلقات ضيقة جداً في المصنع وإدارة الحصر، فالمطلعون على السوق أقرّوا بأن الصنف الجديد المنتج محلياً شهد حملة شعواء من الأصناف المنافِسة، ولا سيما من أكبر وكلاء «معسّل» في السوق المحلية، لأنهم يستحوذون على 90 في المئة من سوق المعسّل، وهما «أدخنة النخلة» لمعسّل بنكهة التفاح و«الفاخر» للمعسّل بنهكة العنب. فبدأ تجّار نصف الجملة والمفرق يحصلون على «صناديق ــــ هدية» مع شراء كل كمية من هذين النوعين، أي إن السعر الأساسي بدأ ينخفض بشكل غير رسمي.
لكن الأغرب أن هذه التجارة تحتكرها «الريجي»، فهي التي تعطي ترخيص الاستيراد لوكيل البيع، وتضع يدها على البضاعة حين تصل لبنان ثم تبيعها بموجب حصّة أسبوعية توزّع على رؤساء البيع، وتعطي الوكيل ثمن المبيعات مع ربح متفق عليه مسبقاً، وبالتالي بإمكان أي وكيل منافسة غيره في السوق عبر عمولات على شكل عروض تجارية: «هدية عبارة عن عدد من الصناديق على كل كمية تباع».
ولاحقاً قررت إدارة الحصر تلزيم المصنع للقطاع الخاص، فأجرت عقداً مع شركة «غراسام»، وبموجبه تموّل له المصنع بالمواد الأولية (تبغ، سكرين، كبريت، نيلون...) ويتقاضى مبلغاً محدداً على التشغيل بموظفي «الريجي»، وفي النهاية تشتري منه الإنتاج وتسوّقه وتبيعه... وهذا لم ينجح أيضاً، لأن النكهة غير المرغوبة نفسها، فلماذا الإصرار عليها؟
وتعتقد المصادر أن هناك ثلاثة أطراف مسؤولة عن فشل هذا الملف:
ــــ الأول، أعطى تركيبة النكهة والطبخة التي يفترض أنها ستنافس مثيلاتها في السوق.
ــــ الثاني، هو المسؤول الإداري الذي أوعز بطرح الصنف في الأسواق قبل التجارب وأسئلة المدخنين وإحصاءات عن جدواه الاقتصادية وقدرته التنافسية.
ــــ الثالث، هم وكلاء أصناف المعسّل الرائجة في السوق المحلية قبل إنشاء المصنع، التي يعرف أن هناك رئيس بيع يسيطر على توزيع حصصها وهداياها.


70 ألف صندوق

هو معدل مبيعات «الريجي» الشهرية من تجارتها واحتكارها لمبيع الأصناف المستوردة والمنتجة محلياً، أي حوالى 840 ألف صندوق سنوياً، بمعدل ربح يصل إلى 250 مليون دولار سنوياً، إذ تربح بعض الأصناف أكثر من 400 دولار وبعضها الآخر أقل من 200 دولار.


المخالفات وخيارات التشغيل