تغيير هيكلي في بنية الودائع انعكس سلباً على بنية التسليفاتمحمد وهبة
تواجه المصارف التجارية مشكلة متصلة ببنيّة ودائعها وكلفة هذه الودائع، وينعكس الأمر على بنية تسليفاتها، فقد تراجعت نسبة الدولرة من 77 في المئة في مطلع 2008 إلى 66 في المئة في شباط 2009، ويتوقع انخفاضها إلى 62 في المئة في نهاية 2009، وهو ما بات يمثّل مشكلة تحتاج إلى حلّ، لأنه لم يعد بإمكان المصارف التسليف بالدولار بسبب ضغط التحويل من الدولار إلى الليرة، وضغط الاحتفاظ بالسيولة بالعملات الأجنبية في ظل الأزمة المالية العالمية، فيما القروض بالليرة تعدّ فوائدها مرتفعة... والحل في رأي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصرفيين في دعم الفوائد.
إذاً، تحولت مفخرة المصارف وسلامة، إلى مشكلة يسعى الجميع إلى حلّها عبر «هندسة مالية» تهدف إلى تحفيز التسليف بالليرة، وهذا ما يثير الاستغراب، فهل باتت المصارف تحتاج إلى الدعم أيضاً؟ وعلى حساب من سيقدّم هذا الدعم؟ وما هو مبرر دعم أرباح المصارف بعدما أمسَت وأصبَحت تؤكد أن القطاع بألف خير ولم يتأثر بالأزمة المالية العالمية؟

ابحث عن الربحية!

وهذا الأمر ناتج من سيطرة هاجس الربحية على أي نقاش متعلق بالقطاع المصرفي، فقد قال كبير المخططين لدى «بنك عوده» فريدي باز في مؤتمر «مصارف لبنان: تحديات النجاح» الذي عُقد في البريستول، وافتتحه سلامة أمس، إنه يجب دعم الفوائد بالليرة والهدف «خفض هامش الفائدة بين الدولار والليرة بحوالى 2 في المئة على الأقل... ولمواكبة انخفاض معدل دولرة الودائع الذي يخلق مشكلة في تكوين السيولة لدى المصارف، ولا سيما السيولة بالعملات الأجنبية». ويعتقد أن كلفة هذا الخفض «ستكون مبررة، فهي لن تتجاوز 100 مليون دولار إذا احتُسبت كل التسليفات بالعملة المحلية»، ورأى باز أن الدعم يمكن أن يكون للفوائد المرجعية، أي الفائدة على سندات الخزينة وشهادات الإيداع، مما يساعد المصارف على التسليف بما لديها، وبالتالي يساعدها على تحقيق مزيد من الأرباح.
لقد زادت الودائع بالليرة منذ نهاية كانون الأول 2007 حتى شباط 2009، أي في خلال 13 شهراً، بمقدار 14353 مليار ليرة أو ما يوازي 11.6 مليار دولار، في مقابل زيادة قيمتها 2.43 مليون دولار بالودائع الأجنبية، وبالتالي ارتفعت قيمة مجمل الودائع في نهاية شباط 2009 إلى 82.35 مليار دولار، منها ما يعادل 27.99 مليار دولار بالليرة، و54.35 مليار دولار بالعملات الأجنبية. فيما كانت قيمة الودائع في نهاية 2007 قد بلغت 71.33 مليار دولار، منها ما يعادل 16.39 مليار دولار بالليرة، و56.78 ملياراً بالعملات الأجنبية.
وبالتالي، بدأ هذا المستوى المرتفع من السيولة بالليرة يمثّل مشكلة، فقد وجدت المصارف نفسها غير قادرة على التسليف بالدولار بسبب النقص في الدولارات في السوق المحليّة، وحاجتها إلى تسديد التزامات بالدولار، فيما تحتاج إلى تصريف السيولة الزائدة بالليرة، لكن الفائدة على القروض بالعملة المحليّة لا تزال تعدّ مرتفعاً مقارنةً بالفائدة على الدولار. فالمعروف أن معدّل كلفة الودائع بالليرة 7.25 في المئة وكلفتها بالدولار 3.31 في المئة، في مقابل 10.07 في المئة للتسليف بالليرة و7.35 في المئة للتسليف بالدولار.
إلّا أن ما غيّر بنية الودائع هو دخول عنصر التحويلات من الدولار إلى الليرة إلى حدود لم تعد معها المصارف قادرة على التسليف بالدولار، وإلا فسيكون لديها مشكلة سيولة، وخصوصاً أن لديها التزامات تجاه الودائع الخارجية في مصارف المراسلة. ولذلك تسعى للحصول على دعم فوائد التسليفات بالليرة حتى تتمكن من تصريف ما تحمله من سيولة متراكمة بالليرة.
وبحسب الأمين العام لجمعية مصارف لبنان، مكرم صادر، هناك حوالى 6000 مليار ليرة (3.98 مليار دولار) هي عبارة عن سيولة بالليرة جاهزة للتسليف، مشيراً إلى ضرورة البحث عن صيغة دعم يستفيد منها الزبون لمشاريع جديدة عبر هندسات ماليّة لتتمكن الليرة من منافسة الدولار، ويجري تنشيط التمويل للقطاع الخاص.

الحل يتحوّل مشكلة

وكان حاكم مصرف لبنان قد شجّع مع اندلاع الأزمة الماليّة العالميّة على زيادة الفوائد على الودائع بالليرة، وخفضها على الودائع بالدولار لاستقطاب الأموال وتوظيفها في أدوات ماليّة يصدرها مصرف لبنان، وتعدّ آمنة لأنها أدوات سيادية، فكانت النتيجة انخفاض نسبة الدولرة، وتمكين مصرف لبنان من شراء الدولارات، وزيادة منسوب الدولارات في بند الاحتياط السائل بالعملة الأجنبية إلى حوالى 22 مليار دولار في نهاية آذار، بعدما حوّلت المصارف قسماً كبيراً من الودائع غير المقيمة، أي الودائع بالدولار الموجودة في مصارف المراسلة، إلى الليرة للاستفادة من أرباح كبيرة ناتجة من الفارق مع الفائدة العالمية على الدولار، التي راوحت بين 0.25 في المئة و1 في المئة.
ومن نتائج هذه السياسة، سجّل في نهاية شباط 2009 ارتفاع كبير في بند ودائع المصارف في مصرف لبنان من 19.627 ملياراً في نهاية كانون الأول 2008 إلى 27.94 ملياراً، منها 1.327 مليار بين نهاية كانون الأول 2008 ونهاية كانون الثاني 2009، ومن ثم عادت اكتتابات المصارف في سندات الخزينة إلى مستواها السابق، مسجّلة في نهاية شباط 2009 ما قيمته 25.32 مليار دولار.
وسجّلت اكتتابات المصارف في سندات يوروبوندز في نهاية شباط ما قيمته 10.61 مليارات دولار، فيما انخفضت قيمة الأصول الخارجية للمصارف بقيمة 1.270 مليار دولار خلال كانون الثاني 2009 مقارنة بانخفاض قيمته 1.212 مليار خلال 2008 بكامله.


84 في المئة

هي نسبة الدولرة في التسليفات، أي إن غالبية القروض هي بالدولار لكن التحوّل من الدولار إلى الليرة، وانخفاض نسبة الدولرة في الودائع أنتجا فجوة بين التسليفات وموارد المصارف.


228 مليون دولار

هي قيمة التراجع في التسليفات بالدولار للقطاع الخاص المقيم، وذلك بين نهاية كانون الثاني 2009 ونهاية شباط 2009، فيما تراجعت مجمل التسليفات 100 مليون دولار.


12610 ملايين ليرة

أو ما يعادل 8.365 مليار دولار، هي قيمة زيادة ودائع المصارف في مصرف لبنان بين كانون الأول 2007 وشباط 2009، وهي تمثّل 73% من زيادة الودائع في الفترة نفسها.

حوافز للتسليف


قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اللقاء الشهري مع المصارف بحضور نواب حاكم مصرف لبنان الجدد، إن المجلس المركزي سيبحث في جلسته المقبلة إعطاء حوافز إضافية للتسليف بالليرة، منها الإعفاء من الاحتياط الإلزامي، وتفادي ربط الفائدة بالليبور، وهذا سيشمل التسليفات منذ مطلع 2009 ولغاية حزيران 2010. وأعلن الإبقاء على سياسة إصدار شهادات إيداع على 5 سنوات.