ديوان المحاسبة يتولّى الرقابة اللاحقة
أعلن رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة موقفاً صريحاً ضد الرقابة المالية المسبّقة التي يمارسها ديوان المحاسبة، ودعا بوضوح إلى حصر هذه الرقابة بوزارة المال ومراقب عقد النفقة، لجهة التأكّد فقط من وجود اعتمادات مرصودة في الموازنة لإنفاق محدّد، وتحويل عمل الديوان إلى رقابة لاحقة كما هي الحال في جميع المجالس والصناديق والهيئات التي تتبع لرئاسة مجلس الوزراء، وتفوح منها الروائح الكريهة من جرّاء الفساد والهدر والإنفاق السياسي.
دعوة السنيورة جاءت في كلمة ألقاها أمس في افتتاح ورشة عمل عن الدليل الوطني الموحد للصفقات العامة ودفاتر الشروط النموذجية لهذه الصفقات، الذي وُضع بالتعاون بين وزارة المال والمركز الدولي للتدريب، التابع لمنظمة العمل الدولية.
الرقابة على الاداء
قال السنيورة «إن الدول التي لا تزال تعتمد ما يسمى الرقابة المسبّقة أصبح عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فالعالم يتجه إلى ما يسمى الرقابة على الأداء، ماذا أنفقت وماذا حقّقت، ولذلك هذا ما يجب أن تتوجه إليه أنظارنا للتثبت من كيفية استعمال الموارد المالية المتاحة والقليلة، التي هي أموال المواطنين، الذين لهم الحق في أن يعرفوا كيف أنفقت هذه الأموال وليس فقط الاكتفاء بالنظر إلى مشروعية الإنفاق»... وأضاف إن «مشروعية الإنفاق هي التأكد من أن هناك مبلغاً مرصوداً في الموازنة لم يجر رصده لأمر آخر بل لمشروع معين، وهذا ما يجب أن تقوم به وزارة المال ومراقب عقد النفقات. وهذا لا يعني التخلي عن الرقابة المسبّقة، فهذا العمل تقوم به وزارة المال، بينما العمل الذي ينبغي أن يقوم به ديوان المحاسبة هو التأكد من أن الإنفاق الذي جرى كان فعلاً في المكان الذي رصد له، وأن ما جرى كان متناسقاً مع ما رصد له هذا الإنفاق»!
ضوابط للإنفاق
هذا التصريح أثار سجالاً في حفل الافتتاح الذي شارك فيه نائب رئيس الحكومة عصام أبو جمرة، الذي تساءل في كلمته «كيف يمكننا في لبنان ألا نضع ضوابط للإنفاق، وكيف يمكننا أن نعالج الدين المتراكم علينا، وخصوصاً أننا نرى أن الرقابة المسبّقة على الصرف هي وسيلة لضبط الإنفاق، فكيف يمكن تطبيق مبدأ (ماذا أنفقت وماذا حققت) لضبط الإنفاق؟». فرد السنيورة بالقول: «الرقابة المسبّقة لا تعني خروجاً عن الحدود المحددة للموازنة والقوانين، ولكن ما نسعى إليه الآن هو التأكد من إتمام العمل المطلوب إنجازه ومدى جودة التنفيذ، واستيفاء جميع المواصفات المطلوبة، وكل هذا يسمى تقويم الأداء الذي يمكن أن تقوم به وزارة المال، فيما يقوم ديوان المحاسبة بالمراقبة اللاحقة على تنفيذ المشاريع وغيرها».
واستغربت أوساط المشاركين تصريح السنيورة، ولا سيما أنه يعطّل إقرار الموازنة منذ أكثر من 4 سنوات، كما يعطّل تعيين رئيس لديوان المحاسبة منذ حوالى ثلاث سنوات، وعمدت حكومته إلى تجاهل قرارات الديوان في مجالات عدّة.
تفعيل ديوان المحاسبة
وأشار النائب غسان مخيبر لـ«الأخبار» إلى أن ديوان المحاسبة في الوضع التشريعي الحالي يعمل على جبهتي الرقابة اللاحقة والمسبّقة، مثل قطع حسابات الموازنة وبعض نشاطات المؤسسات المستقلة والبلديات، أما الرقابة العادية فهي مسبّقة، وأكد أن المطلوب ليس إلغاء الرقابة المسبّقة بل تفعيل عمل ديوان المحاسبة، وخصوصاً مع وجود خروق كبيرة في ما يتعلق بعرقلة عمل الديوان الرقابي، ويشرح مخيبر أن «قرارات ديوان المحاسبة يجب أن تُبلغ إلى مجلس النواب، إلا أن ما يحصل اليوم هو أن قرارات الديوان لا تعرض في الهيئة العامة لمجلس النواب، فيما عمل ديوان المحاسبة الأساسي هو لفت نظر الهيئات الرقابية الأخرى، ومنها مجلس النواب إلى المشاكل القائمة، وذلك لكي يمارس مجلس النواب دوره في الرقابة السياسية على عمل الإدارات العامة». ويوضح أنه يجب تفعيل عمل الديوان، عبر مزج نوعَي الرقابة المسبّقة واللاحقة في الحالات الاستثنائية اللازمة، على أن يكون أساس عمل الديوان الرقابة المسبّقة الفاعلة. ويشدد مخيبر على أن «عمل ديوان المحاسبة مشلول حالياً، إذ إنه منذ سنوات لم يُعيّن رئيس لديوان المحاسبة، بسبب الخلافات على التعيينات الإدارية، لا بل لا يوجد أية تعيينات لرؤساء الغرف في الديوان، ولا يُبذل أي جهد لزيادة عدد القضاة فيه». ويضيف «من هنا لا يمكن تقويم عمل الديوان قبل إطلاق يده، وإعطائه الصلاحيات من مجلس الوزراء تحديداً، وتفعيل عمله من جميع النواحي».
(الأخبار)