بغداد ـ زيد الزبيديأبسط ما يمكن أن تُوصَف به تصريحات المسؤولين الأكراد العراقيين بشأن حزب «العمال الكردستاني» هو أنها غير مفهومة، لأنها تبدو، في الظاهر، مناقضة للواقع المعيش في الساحة الكردية.
ومن أبرز هذه التصريحات، تخيير رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال الطالباني، مقاتلي «العمّال» ما بين إلقاء سلاحهم، أو مغادرة أراضي إقليم كردستان العراق.
وفي سبيل تبرير الطالباني دعوته إلى اللجوء للعمل السياسي السلمي، حرّر صكّ براءة بحق «نظام الحكم في تركيا ـــــ الأطلسية الديموقراطي».
ويبدو أن شهادات حسن السلوك التي أعطاها الطالباني وسواه من المسؤولين العراقيين الأكراد للأتراك، على هامش الزيارات التركية الأخيرة لبغداد، استندت إلى معطيات إعلامية، منها السماح لمحطة إذاعية تركية بالبث باللغة الكردية، ووجود قناة تلفزيونية تبث برامج باللغة الكردية، والسماح باحتفالات أعياد النوروز، وما إلى ذلك من «تفاصيل يراها أكراد تركيا غير كافية».
لكن موقف أكراد العراق من قضية «الكردستاني» في وادٍ، ورأي مواطني كردستان العراق في آخر. وهنا يطيب لبعض الرافضين لتبريرات الطالباني بالقضاء على «الكردستاني»، التذكير بالمعطيات التاريخية الكثيرة المتعلقة بالطالباني والعمل المسلّح؛ فالحركة الكردية المسلحة بقيادة مصطفى البرزاني (الذي انشق عنه الطالباني وأسس حزبه)، انطلقت في بداية ستينيات القرن الماضي ضد حكم عبد الكريم قاسم، الذي كان أول نظام في المنطقة يعترف بالأكراد وحقوقهم، حيث نص دستور الجمهورية العراقية التي أرساها عام 1959 على أن الشعب العراقي يتكون من قوميتين هما العربية والكردية، إضافة إلى الأقليات القومية الأخرى.
وكان قاسم قد أصدر عفواً عن مصطفى البرزاني، اللاجئ آنذاك في الاتحاد السوفياتي، الذي استُقبل على نطاق واسع في العراق كزعيم وطني. وأطلق قاسم حرية العمل السياسي القومي للأكراد، وأقرت حكومته التدريس باللغة الكردية في شمال البلاد، إضافة إلى اعتبار اللغة الكردية، اللغة الرسمية الثانية في العراق.
ويرى المراقبون أن تصريحات الطالباني عن الديموقراطية في تركيا، تعني ضمنياً عدم شرعية حركة مصطفى البرزاني التي مهدت لانقلاب شباط 1963 الدموي، الذي كانت حركة البرزاني أول من اعترف به وبحكومة «البعث» المنبثقة منه آنذاك.
ولعلّ أكثر ما أثار حيرة المراقبين إزاء الانقلاب المفاجئ للساسة العراقيين الأكراد على «الكردستاني»، هو تأكيد رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان البرزاني أنّ «التجربة أثبتت عدم جدوى العمل المسلح، وعلى حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح واللجوء إلى العمل السياسي».
وما يثير تساؤل المراقبين واستغرابهم هو ظهور «الحمل الوديع» الكردي، الذي يفرض نفسه وصياً على الحركات الكردية في البلدان الأخرى، منادياً بالحلول السلمية، وبعدم جدوى الكفاح المسلّح. إلا أن لهذا التساؤل والاستغراب ما يلغي مفعوله، لأنّ القيادات الكردية في العراق لم تحقق ما تحقّق لها من طريق العمل المسلَّح ولا من خلال العمل السياسي، بل من خلال الإرادة الأميركية التي أوجدت المحمية الكردية في عام 1991، فيما كان القادة الأكراد على وشك الوصول إلى اتفاق سياسي شامل مع نظام صدام حسين، تحت عنوان «الديموقراطية في العراق، والحكم الذاتي لكردستان».
ولا ينسى المراقبون العراقيون أنّ القيادات الكردية أدت، على مدى عقود، دور الممهد للحركات الانقلابية في العراق، وخصوصاً تلك التي أتت بحزب البعث إلى الحكم، ومنها التجاوب مع ما طرحه رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز في أواسط ستينيات القرن الماضي، عندما أكد ضرورة الحل السلمي للقضية الكردية. ثم ما لبثت الحركة الكردية أن عادت إلى السلاح قبيل انقلاب 1968 الذي أعادهم في ما بعد إلى بغداد من خلال بيان 11 آذار 1970 ليكونوا شركاء في الحكم حتى أواخر 1974. وبعدها واصلوا حركتهم وهزموا جرّاء سحب الدعم الإيراني لهم إثر توقيع اتفاقية الجزائر في 6 آذار عام 1975.
لكن يبقى الاستغراب مشروعاً إزاء الطلب من «الكردستاني» إلقاء السلاح، واللجوء إلى العمل السياسي، أو الخروج من الأراضي العراقية. فلطالما كانت الحركة الكردية المسلحة تنطلق من الأراضي الإيرانية والتركية، وكانت قيادات هذه الحركة شبه مقيمة في سوريا. ومكمن الاستغراب هو في اعتبار حزب «العمال الكردستاني» التركي إرهابياً من الأميركيين، بينما يلقى فرعاه في سوريا وإيران كل الدعم الأميركي والغربي، وكذلك تحتضن الولايات المتحدة الأطراف القريبة منه أيديولوجياً في العراق.
وأكثر ما أثار الاستغراب هو إشارة وزير شؤون «البشمركة» في حكومة الإقليم الشمالي جعفر مصطفى إلى قدرة قواته على حماية وتأمين الحدود المشتركة مع تركيا وإيران «في حال انسحاب حزب العمال الكردستاني منها»، وكأن «الكردستاني» هو الحارس للحدود، الأمر الذي تنتفي معه تسمية حرس الحدود التي تطلق على «البشمركة».