خاص بالموقع | 11:10 PMبغداد ــ زيد الزبيدي
مع وضع ملف كركوك والمناطق «المتنازع عليها» في ثلاجة التأجيل، يبدو أنّ محافظة نينوى ستكون «أم العقد» السياسية والديموغرافية والقومية والطائفية في العراق في المرحلة المقبلة. عقدة كبرى تتجسد عقدها الفرعية في أكثر من ملف:
ــ أمنياً، باتت المحافظة الأخطر والأكثر عنفاً، بما أنها توصف بأنها تحتضن آخر أوكار «القاعدة وأخواتها»، وهو ما عبّر عنه قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال ريموند أوديرنو، قبل أيام، عندما أعلن بقاء قواته في المحافظة إلى ما بعد حزيران المقبل، رغم أنّ الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــــ العراقية تفرض انسحاب كل قوات الاحتلال من المدن بعد حزيران 2009.
ـــ سياسياً، تبدو المحافظة خط التماس الأكثر حساسية بين العرب والأكراد، بالإضافة إلى ديالى وكركوك. وقد أفرزت انتخابات المحافظات الأخيرة واقعاً جديداً فيها، مع تلقّي اللائحة ذات الهيمنة الكردية (قائمة التحالف الكردستاني) التي كانت تحكم المحافظة سابقاً، ضربة موجعة أفقدتها السيطرة لمصلحة لائحة «الحدباء الوطنية» ذات الغلبة العربية.
ومع إعلان قيادات الأكراد، التي فقدت مواقعها، شبه حالة تمرد على الوضع الجديد، جاء قرار «الحدباء» باستبعاد أي تمثيل لأحزاب «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الديموقراطي الكردستاني» داخل مجلس المحافظة، ليصبّ الزيت على النار ويهدّد بتفجير الأزمة دموياً بين الأكراد والعرب.
وتحاول الكتلة الكردية، مع الموالين لها، إرباك التحول الطارئ على السلطة المحلية في نينوى، من خلال مقاطعة مجلس المحافظة الجديد، وإعلان مسؤولين إداريين في أقضية شيخان وسنجار ومخمور، عدم التعامل مع المجلس الجديد «لأنه لم يعط مناصب رئيسية للقائمة الكردستانية»، على الرغم من أن المكوَّن الكردي موجود في قائمة «الحدباء»، ويشغل منصب نائب رئيس مجلس المحافظة، ممثلاً بشخص رئيس «حزب العدالة والحرية الكردستاني» دلدار عبد الله زيباري. ولعلّ هذا أكثر ما أغاظ الحزبين الكرديين الرئيسيين، بوجود قوة كردية ثالثة تأخذ مكانهما.
وأثارت قرارات الإداريين في هذه الأقضية الثلاثة، بدفع من التحالف الكردستاني، ردود فعل تميز معظمها بالسخرية، لأنها تعني قيام أي كيان سياسي بالعصيان في المنطقة التي له نفوذ فيها، ما لم يمنح مراكز مهمة في مجلس المحافظة التي تتبع لها تلك المنطقة.
ويرى مراقبون أنّ هذا التوتر القديم ـــــ الجديد كان من مبررات تصريحات أوديرنو، الذي يبدو أنه لا يتخوف من «القاعدة» فحسب، بل من الأكراد أيضاً. إلا أن نواب البرلمان العراقي عن محافظة نينوى رأوا، في مؤتمر صحافي مشترك عقدوه أخيراً، أن هناك «بدائل أكثر واقعية من بقاء القوات الأميركية»، رغم إقرار أوديرنو نفسه بأنّ وجود قوات «البشمركة» و«الأسايش» الكرديتين في المناطق خارج الإقليم، أمر «غير شرعي»، لأنها «تُعد ميليشيات مخالفة للدستور».
وكان التحالف الكردستاني يشغل في المجلس السابق للمحافظة، 31 مقعداً من أصل 41، أي ما يعادل 75 في المئة، وهي نسبة غير منطقية لأنّ الأكراد يمثّلون أقلية في المحافظة.
لكن رغم تمتّع التحالف الكردستاني بمنافع السلطة في المحافظة، وامتلاكه قوات عسكرية وأمنية خاصة، فإنه لم يحصل في الانتخابات الأخيرة، مع القوى المتحالفة معه، وبينها الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني والاتحاد الإسلامي الكردستاني، إلا على 12 مقعداً من أصل 37، بعد تقليص عدد أعضاء مجلس المحافظة.
أما حليف «الكردستاني»، «المجلس الأعلى الإسلامي»، الذي كان يشغل خمسة مقاعد، فلم يحصل على أي مقعد في المجلس الجديد، كذلك لم تحصل قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، وكذلك قائمة «الأحرار» المدعومة من التيار الصدري، على أي مقعد، فيما ارتفع رصيد «الحزب الإسلامي» من مقعدين في المجلس السابق إلى 3 مقاعد في المجلس الجديد.
وجاءت مفاجأة محافظة نينوى بفوز «الحدباء» بأكثر من 50 في المئة من الأصوات، وحصولها على أكثر من نصف مقاعد المحافظة: 19 من أصل 37. ويتهم الساسة الأكراد «الحدباء، بـ«الإرهاب»، و«الانتماء إلى النظام السابق»، كذلك سبق أن طالبوا برفع الحصانة البرلمانية عن القيادي في «القائمة العراقية الوطنية» عن محافظة نينوى، أسامة النجيفي، شقيق رئيس «الحدباء» أثيل النجيفي.
في المقابل، يتهم آل النجيفي، ومعهم العديد من القوى السياسية، الطرف الكردي بالوقوف وراء موجات الإرهاب والتفجيرات وتهجير الأقليات في نينوى. إلا أن أهم ما يلفت النظر في التطورات الأخيرة هو التحول في موقف الرئيس جلال الطالباني، الذي أطلق عبارة «المناطق المستقطعة (في نينوى) من إقليم كردستان»، بدلاً من عبارة «المناطق المتنازع عليها».
وقد أشعل تصريح الطالباني فتيل أزمة جديدة، حيث استبعد أثيل النجيفي استتباب الأمن في مدينة الموصل، وعموم محافظة نينوى خلال الأيام أو الأشهر القليلة المقبلة، عازياً ذلك إلى «عدم توحيد صفوف قوى الأمن ووجود عناصر أمنية غير مرغوب فيها داخل وخارج المدينة» في إشارة إلى «البشمركة» و«الأسايش».
وتأتي طروحات النجيفي في هذا المجال، متناغمة مع المواقف الأخيرة للمالكي، وهو الذي تعرض مرات عديدة لعصيان أوامره من الإدارات المدنية والعسكرية في نينوى، التي كانت تعلن صراحة أنها «تتلقى الأوامر والتعليمات من رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني حصراً»، الأمر الذي أدى إلى إجهاض حملة «أم الربيعين» الأمنية في نينوى العام الماضي.
وجاء انتقاد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان البرزاني، أول من أمس، ليشير إلى احتمال اندلاع المزيد من الحرب الكلامية التي قد تتحول في أي لحظة إلى عنف ميداني. وقد رأى البرزاني أنّ «الحدباء» ارتكبت «خطأً تاريخياً من الناحية السياسية والاستراتيجية بإنشائها الإدارة المحلية في الموصل من دون إشراك الأكراد».