محمد بديربات من المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لن يزور واشنطن الشهر المقبل من دون أن يكون في جعبته برنامج سياسي يقدمه كـ«مهر» إلى سيد البيت الأبيض، باراك أوباما، بهدف خطب ودّه. كما بات مؤكداً أنّ برنامج نتنياهو سيكون قائماً على مبدأ مساومة واشنطن عبر الربط بين قضية التسوية مع الفلسطينيين والملف النووي الإيراني مع الاحتفاظ بثابتة استقطاب الدول العربية «المعتدلة» في إطار جبهة موحّدة ضد مشروع التطرف والهيمنة الذي تقوده طهران.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، ستكون هذه العناصر الثلاثة «قائمة المشتريات السياسية» التي سيعرضها «بيبي» على الرئيس الأميركي خلال اجتماعه الأول به في الثامن عشر من أيار المقبل.
وكتب محلّلا الشؤون السياسية في الصحيفة، ألوف بن وباراك رابيد، أن خطة نتنياهو السياسية سترتكز على ثلاثة أعمدة: صدّ المشروع النووي الإيراني، التقرّب من دول الاعتدال العربي، ومعالجة المسألة الفلسطينية عبر مسارات متعددة.
ورأى الكاتبان أن الموضوع الإيراني سيحتل مكانة محورية في الخطة، وخصوصاً أن رئيس حكومة الدولة العبرية سيشدد أمام مضيفه على الضمانة التي تشكلها دولة الاحتلال بالنسبة إلى استمرار بقاء الشعب اليهودي، وتالياً سيصرّ على ضرورة حظر امتلاك السلاح النووي من قبل من يرفضون وجودها.
وسيوضح نتنياهو أن حيازة طهران السلاح النووي «سيشعل موجة تطرف في العالم العربي، من شأنها أن تقوض أي تسوية يمكن التوصل إليها». ولذلك، فإن رئيس الوزراء سيطلب من أوباما، وفق بن ورابيد، أن تنكبّ إدارته على معالجة وإحباط التهديد الإيراني، في مقابل أن يعرب عن استعداده للتجاوب مع رغبة واشنطن في دفع مسيرة التسوية قدماً مع الفلسطينيين.
بيد أنّ الموقف الإسرائيلي في التسوية سيبقى، بحسب الكاتبين، مرتكزاً على اشتراط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، بينما تعترف تل أبيب بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم وإقامة دولة خاصة بهم. وبهذا المعنى، فإن هذا الأمر لن يكون شرطاً مسبقاً لإطلاق المفاوضات، «وإنما شرط للتقدم بها وبند أساسي في أي صيغة لتسوية دائمة».
أما عن خلفية إصرار نتنياهو على هذا المطلب الذي يرى فيه منتقدوه «مناورة لعرقلة المفاوضات»، فيرى الكاتبان أن هناك عدة تفسيرات له. أولاً، هو يشكل وزناً مضاداً من جانب إسرائيل، كمطلب للاعتراف بالحقوق القومية لليهود، في مقابل مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بحقوقهم. وثانياً «يخشى نتنياهو من أن يعمد الفلسطينيون، بعد تملّصهم من مثل هذا الاعتراف في المفاوضات، إلى مواصلة النزاع بعد تحقيق التسوية». ثالثاً، من شأن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، أن يعطل المطلب الفلسطيني بحق عودة اللاجئين. رابعاً، يحتاج نتنياهو إلى هذا الشرط من أجل تجنيد دعم الرأي العام الإسرائيلي والكونغرس الأميركي في مواجهة الضغوط المحتمل أن يواحهها من قبل أوباما.
وفي كل الأحوال، لن تكون الموافقة الإسرائيلية على مبدأ الدولة الفلسطينية غير مشروطة. فعلى حد تعبير الكاتبين، يسعى نتنياهو إلى بلورة اتفاق مع واشنطن يحدّد جملة من «التحفظات السيادية التي ستفرض على الكيان الفلسطيني المستقبلي». ومن بين هذه التحفظات: منع هذا الكيان من بناء جيش أو الارتباط بتحالفات واتفاقات عسكرية واستمرار الرقابة الإسرائيلية على حدوده الخارجية ومجاله الجوي والأثيري.
وفي موازاة ذلك، سيعدّ نتنياهو سلسلة من بوادر حسن النية لتسويق خطته لدى الأميركيين. وتتعلق هذه البوادر بتجميد الاستيطان خارج المستوطنات وإخلاء بعض البؤر الاستيطانية وإزالة حواجز في الضفة الغربية. كذلك فإن نتنياهو سيشكل لجنة وزارية برئاسته تُعنى بـ«تنمية الاقتصاد الفلسطيني».
وفي المقلب الإقليمي، يرى نتنياهو أن التهديد الإيراني، الذي يشكل إلى جانب الخطر الباكستاني الخطر الأكبر في العالم، يخلق لإسرائيل فرصة سياسية غير مسبوقة. وترجمة هذه الفرصة، أن دولاً عربية مثل السعودية ومصر والأردن، وللمرة الأولى منذ عام 1920، أصبحت تشاطر إسرائيل تقدير الوضع الاستراتيجي نفسه. ولهذه الأسباب، سيحرص نتنياهو على ربط هذه الدول بالمسيرة السياسية وعلى دفع التعاون العلني والسري معها، إضافة إلى إقامة علاقات مع دوائر واسعة في العالم العربي. ويتلخص العنصر الإقليمي في خطة نتنياهو بفكرة أن «توسيع الكعكة بين إسرائيل والفلسطينيين، عبر إشراك مصر والأردن في التسويات الاقتصادية والأمنية، سيعزز فرص تحقيق اتفاق مستقر».
يبقى أن نتنياهو أقل تحمّساً لإحياء القناة السورية. فهو مستعد، بحسب الصحيفة، لاستئناف المفاوضات «من دون شروط مسبقة»، ويرفض الطلب السوري في أن تتعهّد إسرائيل مسبقاً بالانسحاب من هضبة الجولان. فبالنسبة إليه، لا يزال الموقف الذي قاله في الحملة الانتخابية، «لن ننزل من الجولان»، نافذاً.