الحكومة تشرّع تهريب الألبسة الجاهزة لمصالح انتخابية!
رشا أبو زكي
أقر مجلس الوزراء في جلسته يوم الجمعة الماضي طلب وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي إلغاء قرار مجلس الوزراء الرقم 69 تاريخ 20/9/2004 الذي قضى بمنع استيراد الألبسة المستعملة، على الرغم من مطالبة جمعية الصناعيين في كتاب عدم إلغاء هذا القرار لما قد يلحقه ذلك من ضرر على الصناعة الوطنية. إذ تبيّن الأرقام الصادرة عن الجمارك أن حجم استيراد الألبسة التي تدخل إلى لبنان بصفتها «مستعملة»، وصل قبل صدور قرار منع الاستيراد في عام 2004 إلى 30 مليون قطعة سنوياً، ما يشير إلى وجود «قطبة مخفية»، بسبب الحجم الكبير للاستيراد نسبة إلى الاستهلاك المحلي. واللافت في هذا الإطار، أن وزير الداخلية زياد بارود استفهم خلال الجلسة الأخيرة للحكومة عن سبب ارتفاع حجم استيراد الألبسة المستعملة، فرد وزير الصناعة غازي زعيتر بأنه لا علاقة لهذا النوع من الملابس بصناعة الألبسة المحلية، وهي لا تضر بالقطاع الصناعي.
لكن هذا الرأي يتناقض مع موقف جمعية الصناعيين، حيث يرى رئيسها فادي عبود، أن ارتفاع حجم استيراد الملابس المستعملة له سببان، الأول وجود غش في عملية الاستيراد بحيث يجري إمرار الألبسة الجديدة بعد ضغطها ونزعها من أغلفتها إلى لبنان على أنها مستعملة، وبذلك يتهرب المستوردون من دفع الضريبة على القيمة المضافة. من جهة أخرى، تبرز قضية تهريب هذا النوع من الملابس إلى سوريا، على الرغم من وجود قرار سوري بعدم السماح باستيراد الألبسة المستعملة.
ويشرح عبود أن كلا السببين يضران بالصناعة المحلية، إذ إن الملابس المستعملة المستوردة تباع على أنها جديدة بأسعار زهيدة، ما يؤثر سلباً على الصناعة الوطنية وخصوصاً تلك التي تتوجه إلى ذوي الدخل المحدود، وقد انخفض عدد العمال في قطاع الألبسة بين عامي 1999 و2002 (أي قبل إقرار عدم السماح باستيراد الملابس المستعملة) بنسبة 44% إلى 8880 عاملاً، علماً بأنّ طاقة توظيف المصانع هي بحدود 40 ألف عامل، مع الإشارة إلى أنّ عدد العمال في هذا القطاع ناهز 30 ألف عامل عام 1960، وانخفض عدد المصانع من 1293 إلى أقل من 700 مصنع، أي بنسبة تفوق 40%.
ويتابع عبّود أن «إقرار إلغاء قرار منع الاستيراد، بحجة أن الملابس المستعملة ستهرب إلى سوريا، وبالتالي لن تؤثر على الصناعة المحلية، يؤدي إلى امتناع السلطات السورية عن استيراد مختلف أنواع الألبسة من لبنان حتى لو كانت مصنوعة فعلياً في لبنان».
ويوضح أنه تحت ستار البالات المستعملة كانت تمرّ من دون رسوم جمركية أكثر أنواع الألبسة وبأفضل أصنافها، فيما ترى مصادر صناعية أن حجم 30 مليون قطعة من الألبسة المستعملة هو دليل قاطع على وجود هذا النوع من التهريب، وبالتالي فإن استيراد الألبسة المستعملة ليس لخدمة الطبقات الفقيرة كما يُروَّج، بل لخدمة بعض التجار الكبار الذين يرون أنّ مفاتيح انتخابية وممولين لبعض الشخصيات على أبواب الانتخابات النيابية.
وتشدد المصادر على أن الفترة ما بين 2004 و2009 شهدت دخول الملابس المستعملة وفق أذونات خاصة لبعض الجمعيات الخيرية، وبالتالي كانت سوق «البالات» موجودة، وتكفي الطبقات الفقيرة التي تحتاج إلى الملابس المستعملة، ما يعني أن قرار فتح الباب أمام استيراد هذه الملابس لا علاقة له بتوفير حاجات الفقراء من الثياب، بل لزيادة ثروات كبار التجار، لغايات انتخابية، على حساب صناعة الألبسة في لبنان.
ويلفت عضو مجلس إدارة نقابة الصناعات النسيجية بسام محفوظ إلى أن إلغاء قرار منع استيراد الألبسة المستعملة مستغرب جداً، وخصوصاً أن الكمية الواردة من الألبسة المستعملة تفيض عن حاجة كل الشعب اللبناني، مشدداً على أن غاية هذا القرار هو إعادة التهريب لهذا النوع من الألبسة، وخصوصاً أن جميع الدول المجاورة تمنع استيراد الألبسة المستعملة. ويلفت إلى أن هذا القرار يضر بالصناعة المحلية، وخصوصاً أنه يفيد أقل من 20 تاجراً على حساب مئات المصانع التي تحوي آلاف العمال في جميع المناطق اللبنانية. ويلفت إلى أن هذا القرار سيغرق السوق بالألبسة التي تأتي إلى لبنان على أنها مستعملة وتباع باعتبارها جديدة بعد إعادة كيّها وتوضيبها، ويستغرب محفوظ هذا القرار، وخصوصاً أنه يخفض من واردات الخزينة، لكون الرسوم الجمركية في استيراد الألبسة الجاهزة تصل إلى 40 و50 في المئة، فيما القرار الأخير فتح الباب أمام التجار الكبار لاستيراد الملابس الجاهزة على أنها مستعملة برسوم منخفضة جداً!