خاص بالموقع | 10:27 PMهآرتس ــ تسفي بارئيل
يجلب القاموس السياسي في هذه الأيام الصرعة المستحدثة المسماة «السلام الإقليمي». سلام يرتكز على الصيغة الآتية: لإسرائيل والدول العربية عدو مشترك اسمه إيران، وكل ما تحتاج إليه إسرائيل للتصدي لإيران هو تبنّي المبادرة العربية، وعندها سيحدث العجب: كتلة من الدول يمسك بعضها بأيادي بعض وتصطف في مواجهة التهديد الإيراني. «إن كانت إسرائيل ترغب في الحصول على دعم قوي ضد إيران، فليس بإمكانها أن تقف مكتوفة الأيدي في كل ما يتعلق بالفلسطينيين ومساعي السلام. الأمران مترابطان »، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، موضحة جوهر الصيغة السحرية التي ترتكز على انقلاب تاريخي كما يظهر للوهلة الأولى.
فللمرة الأولى تنشأ مصلحة استراتيجية عربية ـــــ إسرائيلية مشتركة أكثر جاذبية من التعاون الاقتصادي وأكثر إثارة للاهتمام من مجرد التطبيع. هاكم قاعدة قوية للسلام.
ولكن يشبه هذا الوضع كل سحر، حيث يجب فقط اكتشاف الحيلة الماثلة من ورائها. ليست الدول العربية وإسرائيل بحاجة البتة إلى السلام حتى تبلور جبهة مناهضة لإيران. نشأت هذه الجبهة من دون اتفاق، والدول العربية لن تقع بحبّ إيران فقط لعدم وجود سلام بينها وبين إسرائيل. ولكن لنفترض أن كلينتون محقّة وأن السلام الإقليمي يعتمد على التبنّي الإسرائيلي الكامل لمعادلة «دولتين لشعبين» أولاً، من دون شروط مسبقة. لنفترض أيضاً أن حكومة بنيامين نتنياهو ستوافق على هذا المبدأ، وهي في الأصل تبدي إشارات التفهّم لحقيقة أن الدعاية الانتخابية مغايرة للحراك والفعل السياسيين. يتطلب هذا المبدأ ترجمة عملية في الانسحاب وتفكيك المستوطنات وترسيم الحدود وتوزيع المياه والاتفاق بشأن السيطرة على الأماكن المقدسة ومكانة القدس. باختصار، يتطلّب هذا المبدأ ترجمة كل القضايا الجوهرية التي لا يمكن أيّ تهديد إيراني أن يزيلها.
لنفترض أيضاً أن إسرائيل والفلسطينيين سيتوصلون إلى اتفاق كهذا، إلا أن ذلك لن يضمن، والحالة هذه، تحرر المنطقة من تهديد إيران. لقد أصبح العراق مثلاً تحت النفوذ السياسي والاقتصادي الإيراني، وهو يمثّل ثاني دولة من حيث الأهمية اقتصادياً بالنسبة إلى إيران التي تزوّده بجزء مهم من احتياجاته من الكهرباء.
المقاطعة العراقية لإيران غير واقعية. دولة الإمارات، رغم خلافها السياسي مع إيران بشأن السيطرة على الجزر الثلاث في الخليج، هي شريكة تجارية حيوية لطهران ومثلها قطر. الاستثمارات الإيرانية في الجزائر والسودان وسوريا كثيرة، وهذه الدول الثلاث لن تقطع علاقاتها مع طهران حتى لو انضمت إلى «السلام الإقليمي».
وفي الدائرة الأوسع للمنطقة، لا تُعتبر إيران دولة يتيمة؛ فعلاقاتها مع الهند وباكستان وأفغانستان تقوم على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية القوية. أفغانستان الموجودة في عين الرئيس باراك أوباما، تعتمد على استيراد المواد من إيران، وتنتظر باكستان مدّ خط النفط المشترك. أما حجم التجارة بين إيران والهند فيزيد على 15 مليار دولار.
في المقابل، بلغت التجارة الإيرانية ـــــ السعودية مليار دولار في أواخر عام 2008، وأقل من ذلك مع مصر. أما الأردن، فليست لديه علاقات تجارية مع إيران، والدول العربية معاً لا تمتلك الرافعة الاقتصادية التي تمتلكها روسيا والصين اللتان تعارضان فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية.
ولكن يوجد لـ«السلام الإقليمي»، كوسيلة للتصدي لإيران، خصم أكثر عناداً؛ فالولايات المتحدة بحاجة إلى إيران في جبهتها المركزية في أفغانستان وباكستان. وإيران تمتلك علاقات قوية مع الطاجيك (الأقلية الكبيرة التي تتحدث الفارسية) وكذلك مع الأوزبك (الأقلية الثانية من حيث الحجم)، وهي في مكانة الراعي للهزارة (الشيعة في غرب أفغانستان عند الحدود الإيرانية).
مثّلت هذه الأقليات «التحالف الشمالي» المناهض لحركة «طالبان». إيران لا باكستان هي التي كانت ستمثّل دولة المرور لقوافل إمدادات حلف شمالي الأطلسي إلى أفغانستان لو كان الوضع بين إيران والغرب طبيعياً.
أفغانستان والعراق هما الهدية التي تعرضها إيران على الولايات المتحدة، ومن الصعب توقّع كبح أميركا لخطوات الانفتاح على إيران، سواء قام «السلام الإقليمي» بين إسرائيل والدول العربية أو لم يقم.
«السلام الإقليمي» ضروري لإسرائيل لتحويلها إلى دولة طبيعية لا تخشى التهديدات التقليدية، تماماً للسبب نفسه الذي عقدت من أجله السلام مع مصر والأردن. عرض آخر غير معاهدة الأخوّة التي تشمل الشرق الأوسط كله يمكن أن يُقابل بالترحاب ولا ضرورة للتلويح بإيران حجة.