القاهرة | «هذا دستورنا»، شعار اختاره ما يزيد على 20 مليون مصري في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وتحديدا عندما دعا الرئيس السابق، عدلي منصور، الشعب إلى الاستفتاء على دستور جديد، بديلاً من دستور 2012 الذي جرى تعطيله في الثالث من تموز 2013. جاءت نتيجة الاستفتاء، الذي حشدت له الحكومة المصرية كلّ أجهزتها، بالموافقة بنسبة 98.13% من جملة المشاركين، بعدما وصفته، مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام وحتى رجال القانون، آنذاك، بأنه «أعظم دستور في تاريخ مصر».«عظمة الدستور» لم تمنع الحكومة ومؤسساتها المختلفة من إعداد قوانين مخالفة للنصوص الصريحة فيه، وهو الذي أصبح محلّ التنفيذ اعتباراً من 18 كانون الثاني 2014، كما لم يمتنع منصور (عاد إلى المحكمة الدستورية العليا)، والرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، من استغلال سلطة التشريع الموكلة إليهما حتى وجود البرلمان، من أجل إصدار قوانين تخالف الدستور.

وكشفت الإحصائية السنوية لقسم التشريع في مجلس الدولة (الجهة القضائية المختصة بمراجعة وصياغة القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية قبل إصدارها) أنّ عدد القوانين والقرارات واللوائح الجمهورية التي وردت إلى قسم التشريع خلال 2014، بلغ نحو 194 مشروعاً، وافق القسم على 136 منها، وأعاد 39 رافضاً نصوصها «لتعارضها مع الدستور»، كما طلب استيفاء 19 مشروعاً آخر لشروط معينة حتى تتفق مع الدستور.
وذكرت الإحصائية، التي أرسلت إلى السيسي، أنّ الكثير من وزارات وأجهزة الدولة تجاهلت الإلزام الدستوري الوارد في المادة 190، وتعمّدت إصدار قوانينها، إمّا دون عرضها من الأساس على مجلس الدولة، مثل قوانين (الحدّ الأقصى للأجور، وشهادات استثمار قناة السويس، وتحيا مصر)، أو عرضها عليه شخصيا، أو حتى تجاهل ملاحظاته عليها.
ولعلّ قانون إنشاء وتنظيم عمل اللجنة القومية لاسترداد الأصول هو أبرز الأمثلة التي ساقتها الإحصائية، إذ أعاد القسم مشروع القانون إلى مجلس الوزراء لتوافر شبهة «عدم الدستورية» في مواده، لكن المجلس تجاهل «مقترح القانون» وأرسله إلى السيسي، الذي أصدر بالفعل (في 16 كانون الأول الماضي) قراراً جمهورياً به.
أيضا أعاد قسم التشريع مشروع قانون يقضي بتعديل بعض أحكام قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، إلى وزارة التجارة والصناعة في 4 آب، بالتزامن مع إصدار السيسي قرارا جمهوريا بإقرار التعديلات ونشرها في الجريدة الرسمية، وهو الأمر الذي تكرّر مع قوانين مثل تنظيم الأحداث الرياضية وحماية المشاركين فيها، والمنشآت الرياضية، وتعديل بعض أحكام قانون الزراعة، ومشروع قانون لإنشاء نقابة عامة للعلوم الطبية.
ومن عناوين القوانين التي تعرضت للاختراق كذلك، التعامل مع مخالفات البناء الخاصة بالدولة، ومخالفات البناء في المدن والمجتمعات العمرانية التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وتعديل قانون المناقصات والمزايدات للسماح بالتصرّف في أراضي الدولة لأغراض الاستثمار. كل تلك القوانين أعادها القسم إلى مجلس الوزراء لإدخال تعديلات على نصوصها، لكن صدرت قرارات جمهورية فيها، ليكون القاسم المشترك بين القوانين المذكرة صدورها خلال فترة حكم السيسي.
يقول رئيس قسم التشريع وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، المستشار مجدي العجاتي، إنّ «مرحلة تولي عدلي منصور رئاسة البلاد اتّسمت بالتزام إجراءات إصدار القوانين، فقد حرص المستشار الدستوري للرئيس آنذاك، علي عوض، على عرض كل القوانين التي أعدتها الرئاسة، على قسم التشريع في مجلس الدولة قبل إصدارها». أمّا في عهد السيسي، فشهدت انخفاضا في عدد القوانين المقترحة من الرئاسة، «وصار مجلس الوزراء يعد القوانين».
واللافت، وفقاً للإحصائية نفسها، أنّه في عهد السيسي جرى تجاهل نصّ الدستور، إذ أصدر الرئيس عدّة قرارات جمهورية بقوانين دون عرضها على قسم التشريع برغم تضمّن ديباجتها عبارة «بناء على ما ارتآه مجلس الدولة».
بعيداً عن الإجراءات الشكلية لإصدار القوانين، رأى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، أن ثمّة قوانين صدرت أخيراً تصرخ بمخالفتها للدستور، فبرغم أن «السيسي استهلّ ولايته الرئاسية بإصدار قرار يقضي بإنشاء اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، فإن ذلك لم يساهم في إحداث نهضة تشريعية، ولم يمنع صدور قوانين تخالف نصوص الدستور».
وينقل عيد، وفق تقرير أعدته اللجنة بعنوان «مخالفات دستور لم يجف حبره»، أن أكثر القوانين التي تحمل مخالفات، هو «تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية»، الصادر في 27 تشرين الأول الماضي، الذي يمنح، بموجب مادته اﻷولى، القوات المسلحة حقّ معاونة الشرطة في تأمين المنشآت، بل في حالة دخول الجيش أي منشأة لتأمينها، بموجب القانون، تصبح المنشأة بحكم المنشأة العسكرية.
كذلك، من المعروف، أن هذا القرار سمح بالتوسع كثيرا في المحاكمات العسكرية للمدنيين، إذ نصّت مادته الثانية على أن الجرائم التي تقع على المنشآت يختص القضاء العسكري بالنظر فيها، وهي «مخالفة صريحة للمادة 204 من الدستور، التي تنصّ على عدم جواز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إﻻ في الجرائم التي تمثل اعتداءاً مباشراً على منشآت القوات المسلحة».
مثال آخر يقدمه عيد، وهو قرار السيسي الصّادر في 13 تشرين الثاني الماضي، بتسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم من غير المصريين إلى دولهم، وهو «مخالفة صريحة للمادة 184من الدستور التي تنصّ على استقلال السلطة القضائية، وخاصّة أن سلطة رئيس الجمهورية، بالنسبة للمجرمين، لا تبدأ دستورياً إلا بعد صدور حكم نهائي، وتتمثل في حقّ العفو». أمّا قبل ذلك، فكلّ تدخل من الرئيس هو تدخل في عمل القضاء، كما أن «تسليم محكوم عليهم لا يجوز أن يحدث إلا في إطار اتفاقات تبادل المجرمين، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لأنّ منح المجرمين الأجانب مزايا يحرم منها نظراؤهم المصريين غير جائز دستورياً».
ومع أن المادة 156 من الدستور تلزم مجلس النواب المقبلة مراجعة كل القوانين الصادرة عقب إقرار الدستور في 18 كانون الثاني الماضي من الرئيسين، منصور والسيسي، وإقرارها أو إلغاءها خلال 15 يوماً من تاريخ انعقاده، فإنه لا يعول على قصر المدة المطروحة وكم القوانين الصادرة لإنهاء إشكالات تجاوز الدستور، لكن، إن جرى إلغاء أي قانون، فإن آثاره تزول رجعيا.