هآرتس ــ تسفي بارئيل«صدّقوني إن قلت لكم إنني أعرف ما الذي أتحدث عنه»، قال رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، قبل أيام ملمّحاً إلى احتمال شنّ عملية عسكرية إسرائيلية على إيران. ولكن بينما كان أولمرت يتكلم، كان الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، يدشن المفاعل النووي في بوشهر الذي سيتحوّل بعد سنة إلى منشأة فعالة ويبدأ بإنتاج الكهرباء. وفي اليوم نفسه صرّح نجاد قائلاً إن بلاده تنوي زيادة أجهزة الطرد المركزي التي تعمل على تخصيب اليورانيوم بصورة ملموسة.
هذه ليست صدفة. إيران تمتلك جدولاً زمنياً وجدول أعمال خاصاً بها، وهو يتضمن تطوير التكنولوجيا النووية ذات الأهداف العسكرية، في أقرب فترة ممكنة. التقديرات الاستخبارية في الغرب، التي تتحدث عن أن هذا المشروع سينتهي بعد عام أو ثلاثة أعوام، لا تهمّ إيران. هذه التقديرات ترمي إلى تحديد الموعد الذي سيصبح فيه التهديد الإيراني فعّالاًَ، وليس النقطة الزمنية التي يمكن التحرك عسكرياً أو دبلوماسياً فيها ضد إيران.
«الوقت ينفد من بين أصابعنا، وهناك حاجة لتفعيل عقوبات مشددة وحازمة ضد النظام الإيراني، وفي الوقت نفسه الاستعداد لدراسة الأمور المطلوبة في حالة عدم نجاح هذه العقوبات»، قال وزير الدفاع إيهود باراك. ولكن هذا الوقت وقت وهمي. في ظلّ عدم وجود صنّاع قرار، لا مغزى للوقت، ولا جدوى من النظر بقلق إلى الساعة الرملية. إيران ستتحكم في التهديد النووي، ولذلك يجب أن تكون السياسة المتبعة ضدها «ما بعد نووية» وليس «ما قبل نووية».
إسرائيل قامت حتى الآن بدور المثير للضجيج، الذي لم يسمح للجنة البناية بأن تنام. ولكن إسرائيل التي أخذت على عاتقها إدارة جوقة الكفاح الدولي ضد إيران، ستجد صعوبة في مواصلة أدائها لهذا الدور. ولايتها آخذة في الانتهاء على ما يبدو، لأنها، من بين جملة أمور، وربما بشكل أساسي، فقدت مكانتها كدولة عرضة للتهديد في أعقاب الحرب في غزة. للوهلة الأولى يبدو أنه لا توجد صلة بين الجبهتين، ولكن من الصعب عدم تمييز التراجع الذي طرأ على مكانة إسرائيل كمخوّلة للصراخ «الذئب، الذئب»، في الوقت الذي تقوم فيه بمنع دخول شاحنات المواد الغذائية إلى قطاع غزّة. تراجع مكانة إسرائيل بصورة سلبية يترك آثاراً واسعة النطاق في المنطقة. من يبدو كأرعن في إحدى الجبهات سيجد صعوبة في الظهور بمظهر الصدِّيق في الجبهة الأخرى. وليس الأمر أن التهديد الإيراني قد تراجع، بل إن وهج الضحية المفترضة لهذا التهديد قد بهت.
وهكذا، في الوقت الذي ينشغل فيه القادة في إسرائيل بالمنافسة في إطلاق التهديدات الأكثر صخباً ضد إيران، انتقلت معالجة المسألة إلى يد (الرئيس الأميركي) باراك أوباما وحده. الاتحاد الأوروبي ينتظر منه تحديد سياسته، ودول الغرب تنتظر استعراضه لقوّته، أما إسرائيل فقد أُجلست على مقعد المتفرجين. وهي سترى بأعين مشدوهة كيف تنوي واشنطن إجراء الحوار مع إيران وتعزز علاقاتها مع سوريا وتؤيد حكومة فلسطينية موحدة تشارك فيها «حماس»، التي هي أحد المقربين من طهران.
حتى تتمكن إسرائيل من المشاركة في الجوقة المناهضة لإيران يجب عليها أن تفعل أمراً من اثنين: أن تدع اللعاب يسيل من فمها وتشزر بنظراتها وتصدر أصواتاً غريبة عجيبة حتى تعطي الصدقية لإمكان قيامها بأعمال مجنونة، أو أن تعمل على تقليص نفوذ إيران في المنطقة. على سبيل المثال، تشجيع إقامة حكومة فلسطينية بين «حماس» و«فتح» لإدارة المناطق (الضفة الغربية وقطاع غزّة)، أو تحفيز الحوار السياسي مع سوريا. تهديدات حزب الله و«حماس» ليست تهديدات وجودية بالنسبة لإسرائيل، ولكنها قد نجحت حتى الآن في توريطها في حربين. بإمكان إسرائيل أن تزيل هذا التهديد من خلال خطوات سياسية. بهذه الطريقة ستجد نفسها عضواً في ائتلاف وتحالف غير مكتوب مع غالبية الدول العربية، التي تنظر بقلق إلى تقدم المشروع النووي الإيراني. كذلك فإنها ستمنح بذلك أيضا الإدارة الأميركية ذخيرة سياسية يمكن لباراك أوباما بواسطتها أن يبرهن على أنه قادر على جلب السلام وليس افتعال الحروب فقط كما فعل سلفه. هذه رافعة ضرورية لمن يسعى ليس فقط إلى كبح تعاظم قوة إيران في المنطقة، وإنما كذلك تشجيعها على تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة.
إن إظهار إيران كتهديد بحد ذاته، لا يمكنه أن يكون سياسة بديلة عن الحاجة إلى إزالة التهديدات الأخرى القريبة والخطيرة. في الواقع، هذه ليست سياسة أصلاً. من دون الدعم السياسي الذي يمكن إسرائيل أن تقدمه في ساحتها حتى تقلّص النفوذ الإيراني ـــــ تتحوّل هذه السياسة إلى شعار آخر فارغ من المضمون ومشكوك في جدواه. وهي بالتأكيد لا تستوجب الاندفاع بهلع نحو حكومة وحدة وطنية كما يحاول أن يروّج (رئيس حزب «الليكود») بنيامين نتنياهو