أكّد المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية في باريس أن «خطر موجات الهجرة الآتية من جنوب الصحراء على فرنسا هو مجرّد خطر مزعوم؛ فرغم النزاعات المسلحة التي تشعل القارة السمراء، نادراً ما يهاجر سكانها خارج القارة»
الجزائر ــ ياسين تملالي
هل من «خطر أفريقي» يتهدّد فرنسا كما يزعم اليمين الفرنسي؟ تُجيب دراسة للمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية في باريس نشرتها في 19 شباط الماضي مجلة «Population et Sociétés» بالنفي. فحسب إحصاءات عام 2004، لا يمثل أفارقة منطقة جنوب الصحراء سوى 12 في المئة من مجموع المهاجرين الموجودين في فرنسا، أي إنهم يحتلون المرتبة الثالثة بعد الأوروبيين ومواطني المغرب العربي (الجزائر، المغرب وتونس).
والسبب في أن الأرقام المذكورة تعود إلى 2004، هو أن الإحصاءات الخاصة بالهجرة في فرنسا قد تخضع لـ«حظر نشر» يؤخّر صدورها؛ كالحظر الذي فُرض عام 2002 على معطيات تقرير «لوبون» (إدارة السكان والهجرة في وزارة العمل الفرنسية)، بحيث أُجّل نشره حتى عام 2004. وتُعطي الدراسة أرقاماً عمّا يسمى في اللغة المتخصصة «مخزون المهاجرين»، استخرجت من الإحصاءات العامة للسكان، وأخرى عن عدد الأجانب الذين دخلوا الأراضي الفرنسية في السنوات الأخيرة، تمّ الحصول عليها من هيئات كوزارتي الداخلية والهجرة والوكالة الفرنسية للهجرات واستقبال المهاجرين. وتؤكّد المعطيات المنشورة أن عدد مهاجري دول جنوب الصحراء في فرنسا بلغ 570 ألفاً في 2004، أي إنّه تضاعف نحو 27 مرة خلال 42 عاماً، إلا أنّ عددهم لم يكن يتجاوز 20 ألفاً في 1962.
وتأخذ هذه الأرقام بعين الاعتبار الهجرة المسماة «السرية»، على الأقل بصورة جزئية. فإحصاءات السكان الفرنسية تشمل في كثير من الأحيان المهاجرين السرّيين، كذلك تشمل تصاريح الإقامة التي مُنحت للمهاجرين السريين بعدما سوّوا وضعيتهم القانونية (وخصوصاً ما بين عامي 1997 و1998 في عهد حكومة ليونيل جوسبان). من هذا المنطلق، فإن صعود المنحنى البياني لمهاجري جنوب الصحراء في هاتين السنتين لا يفسّره تزايد توافدهم بقدر ما تفسره تسوية الوضع القانوني للآلاف منهم.
ومن الأفكار الخاطئة الشائعة، التي تدحضها الدراسة أيضاً، مزاعم أن مهاجري جنوب الصحراء يحتلون المرتبة الأولى بين المهاجرين غير القانونيين؛ فتشير الدراسة إلى أنّهم لم يشكّلوا سوى 40 في المئة من مجموع من سُوّيت أوضاعهم القانونية بين عامي 1997 و1998، و31 في المئة من مجموع من سُوّيت أوضاعهم بين 1999 و2006. أما المراتب الثلاث الأولى فتعود إلى الجزائريين والمغاربة والصينيين.
وتسري بعض استنتاجات الدراسة على أوروبا عامة. ففي إسبانيا وإيطاليا لا تتجاوز نسبة مهاجري جنوب الصحراء 4 و8 في المئة على التوالي (أرقام 2006).
وتخلص الدراسة إلى أن أفارقة جنوب الصحراء، على عكس ما يُشاع عنهم، لا يهاجرون إلا نادراً. وتدعم استنتاجاتها بأرقام تشير إلى أن النزاعات المسلحة لم تدفع بأبناء هذه المنطقة إلى القارات الأخرى، ففي 1999 لم يغادر القارة السمراء سوى 10 في المئة من لاجئي الكونغو الديموقراطي و4 في المئة من اللاجئين الليبيريين و7 في المئة من اللاجئين التشاديين.
لكن تبقى القارة الأوروبية المقصد الرئيسي لمهاجري دول شمال الصحراء (63 في المئة منهم يقصدون إحدى دولها مقابل 31 في المئة يفضّلون أميركا الشمالية). أما في ترتيب البلدان الأكثر استقبالاً لهم فتأتي الولايات المتحدة (24 في المئة)، تليها بريطانيا (21 في المئة) ثم فرنسا (15 في المئة).