Strong>الرئيس يواجه رئيس البلدية... والشارع خارج المعادلة «مؤقّتاً»«ثورة» في مدغشقر. المعارضة في مواجهة الحكم، والشارع هو الضحيّة. مواجهات لها الكثير من الجذور والأسباب الداخلية، من دون استبعاد تورّط أطراف خارجيّة، ولا سيما أصابع فرنسيّة تريد الحفاظ على مصالحها في الجزيرة الأفريقيّة

حبيب إلياس
رئيس البلدية في مواجهة رئيس الجمهورية. العنوان يذكر بالأوضاع السياسية التي كانت سائدة يوم وصول الرئيس الحالي مارك رافالومانانا إلى الحكم قبل 10 سنوات، عندما خلف «مؤسس مدغشقر»، الأميرال ديديه راتسريكا، بعد 23عاماً من الحكم، وكان حينها يشغل منصب رئيس بلدية العاصمة.
ولكن اليوم انقلب السحر على الساحر. فرافالومانانا، السياسي الطموح والذكي، الذي حاول أن يصنع لنفسه مستقبلاً سياسياً من خلال شنّ حملة لإطاحة حكم راتسريكا، أصبح الآن الرئيس الذي يحاول حماية عهده من النسخة التي كرّسها بنفسه، وباتت تعتمد نموذجه للثورة عليه.
فرئيس بلدية انتاناناريف، أندري راجولينا، يستنسخ مواجهة رافالومانانا مع راتسريكا، للانقضاض على الرئيس الحالي، وسط أنباء عن دعم غير مباشر مقدّم من الرئيس السابق إلى قائد المعارضة.
واستطاع راجولينا أن يقرأ جيداً الأوضاع السياسية في البلاد، ويحسن استغلالها خير استغلال، وهو السياسي الذي شبّه بالقطار السريع، نظراً لسرعة سطوع نجمه ولصغر سنه (34 عاماً)، بعد ترشحه منفرداً، وفوزه في انتخابات بلدية العاصمة عام 2007، في مواجهة حزب رئيس الجمهورية مارك رافالومانانا.
ومنذ انتخابه رئيساً للبلدية، وضع راجولينا نفسه كندّ لرئيس الجمهورية، الذي وصفه أخيراً بالديكتاتور، جاذباً العديد من المواطنين الذين يرون أن الحكومة فشلت في توفير حاجات فقراء البلاد. ويرى المحللون أن انتخاب راجولينا، كان بحد ذاته رسالة إلى الرئيس، فغالبية المواطنين فقدت الأمل من إصلاحاته، التي على الرغم من أنها أدّت إلى وضع خطة اقتصادية ناجحة وأمنت ازدهاراً في البلاد، ولكن لم يستفد منها إلا عدد قليل من المواطنين.
وأحد أهم الأمثلة على الازدهار المؤقت، صفقة تأجير الأراضي الزراعية للعملاق الاقتصادي الكوري الجنوبي، شركة «ديوو»، لمدة 99 عاماً. عقد لم تستفد منه خزينة الدولة كثيراً، إذ إن الإيجار كان رمزياً رغم أنه يمتد على مسافة تصل إلى نصف الأراضي القابلة للاستغلال في الجزيرة، ما أثار شبهات فساد حول الرئيس وحاشيته.
كل هذا صبّ في مصلحة رئيس البلدية، الذي عرف من أين تؤكل الكتف، بالإضافة إلى مسألة الحرية الإعلامية، من إغلاق المحطة التي يملكها (رئيس البلدية)، وإلى طرد المراسلين الأجانب من البلاد، ما ساعده على استمالة الإعلام الأجنبي إلى ناحيته.
الشرارة الأولى للمشكلة بدأت عندما أقدمت القوات الحكومية على إغلاق محطة التلفزة التابعة لراجولينا، على خلفية بثّها مقابلة مع راتسريكا، الخصم السابق لرئيس الجمهورية الحالي والذي يعيش حالياً في باريس عقب الأحداث الدامية التي اجتاحت البلاد بعد خلاف على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2001، في وقت ذكرت فيه بعض الصحف أن راجولينا مدعوم حالياً من ابن شقيق الرئيس السابق، رونالد، وهو أمر نفاه زعيم المعارضة بشدّة، مشيراً إلى أن لقاءً حصل بين الاثنين لا أكثر.
وعندها أخذ الإعلام الأجنبي، وخصوصاً الفرنسي، على عاتقه عملية الترويج لرئيس البلدية، ما ظهر من خلال التغطية الإعلامية التي حظيت بها «الثورة» لدى القنوات الفرنسية التابعة للدولة؛ القناة الفرنسية الثانية، القناة الإخبارية فرانس 24، وراديو فرنسا الدولي، الذي طُرد أحد مراسليه قبل بدء الأحداث.
فعلى مر الأسابيع الماضية، اخذ الإعلام يتكلم عن عدد يتجاوز بكثير الأعداد الحقيقية للمتظاهرين، فيعلق مراسل قناة «فرانس 24» «عن نوع من الثورة الديموقراطية على الطريقة الأوكرانية»، أو بعد التظاهرة التي أدّت إلى حرق التلفزيون والإذاعة الرسميين، عندما صُوّر القتلى كـ«شهداء المصلحة الشعبية».
التغطية تدعو إلى التساؤل عن دور باريس في دعم التحركات؛ ففرنسا تحاول أن تبقي نفوذها في مدغشقر، مستعمرتها السابقة، نظراً لحجم الإمكانيات الاقتصادية التي يمكن أن توفّرها لها، إذ تعدّ أحد أهم شركائها الاقتصاديين، بالإضافة إلى أن الفرنسيين هم من الملاكين الكبار للأراضي في مدغشقر.
ولكن منذ وصول الرئيس الحالي إلى الحكم، الذي لم تعترف به باريس في البدء، أظهر رغبة واضحة في تخفيف التأثير الفرنسي. أمر لم تتقبله باريس، وخصوصاً أنها تطمح إلى دور على الساحة الدبلوماسية العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، الذي قام بواجبه الدبلوماسي من خلال دعوة الطرفين إلى الحوار، الذي بدأ في 12 من الشهر الماضي، ما لبث أن توقّف، ليعودا إلى المواجهة، قبل أن يتفق الطرفان، بمبادرة الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت وراء وصول رافالومانانا إلى السلطة، على عدم اللجوء إلى الشارع في المواجهة بينهما. استبعاد الشارع قد يكون مؤقّتاً، ولا سيما أن جذور الأزمة لا تزال قائمة.