ينام معظم أهالي غزّة في خيام لا تقيهم البرد، ولن تحجب عنهم حرّ الصيف. ميزات تخوّلهم دون غيرهم التعبير عن تطلّعاتهم من مؤتمر إعمار غزّة، لتغلب الواقعية والإصرار على آرائهم
غزة ــ قيس صفديقد يكون للغزيّين الحق الأكبر في التعبير عن رؤيتهم وتوقعاتهم من مؤتمر إعمار قطاع غزة، الذي استضافته شرم الشيخ، أول من أمس، باعتبار أن المال المتبرّع به يهدف إلى تشييد بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياته. ورغم حجم المؤتمر، لم يكن باستطاعتهم إلا التمني بألّا تطول عملية وضع الآليات والتنفيذ.
لا يثق ماجد عبد ربه كثيراً بوعود الدول المانحة، رغم أنه يتمنى «ألا تطول إقامته والعشرات من عائلته في الخيام». لكن الوعود كما يقول «لا تبني منازل. نريد آليات واضحة وسريعة لإنهاء معاناتنا عبر تحويل هذه الوعود إلى واقع ملموس والضغط على الاحتلال للسماح بدخول الاسمنت ومواد البناء إلى غزة».
ويقيم عبد ربه وأسرته، وعدد من أشقّائه وأسرهم، في خيام في العزبة التي تحمل اسم عائلته، شرق جباليا شمال قطاع غزة، منذ أن دمرت قوات الاحتلال منزلهم المكوّن من خمس طبقات خلال الحرب التي استمرت 23 يوماً.
ويتابع عبد ربه أن «وفوداً أجنبية ومسؤولين رفيعي المستوى زاروا العزبة خلال الأيام الماضية، وعاينوا حجم الدمار ولم يعد هناك مبرر لمزيد من الانتظار كي يتحرك العالم»، رغم أنه يدرك أن تقييد إعادة الإعمار بشروط سياسية قد يطيل أمد معاناة المشردين في غزة، معلّقاً «من الظلم وضعنا في موضع الابتزاز لتحقيق أهداف سياسية».
وتشير التقديرات إلى أن الحرب على غزة أدت إلى تدمير نحو 34 ألف منزل، فيما رصد مؤتمر شرم الشيخ نحو 5 مليارات دولار، وسط تكهنات بألا تتم المباشرة في عملية الإعمار بفعل اشتراط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عدم مشاركة حركة «حماس».
وتتطلع كفاح صبح بكثير من الأمل إلى إعادة بناء منزلها المدمر كلياً في منطقة العطاطرة غرب بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، ليضمّها و17 من أبنائها الذين فقدوا والدهم خلال الحرب. وتصف ما حلّ بها وبأسرتها جراء فقدان الزوج والمنزل بأنها «نكبة»، وتتابع «فقدت زوجي وما من سبيل سوى الترحم عليه، فليس أقل من إعادة بناء منزلي ليجمعني مع أطفالي».
وقصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي المنزل فوق رأس زوج كفاح، الشهيد باسل، الذي أصر على البقاء في البيت اعتقاداً منه بأن وجوده سيحميه من الاستهداف.
وتبدو كفاح، التي أنجبت مولوداً منحته اسم والده قبل بضعة أيام، متشائمة من احتمال انتهاء معاناتها قريباً والعودة إلى منزلها من جديد، وتقول «أتمنى أن يعاد بناء المنزل قبل أن يكبر باسل ويرى مشهد الدمار والركام».
وتقيم كفاح مع أبنائها في جزء متصدع من المنزل المدمر، في ظل ظروف معيشية بالغة القسوة. وتستطرد قائلة إنها «لم تتابع مؤتمر شرم الشيخ، لكنها سمعت أنه مخصص لإعادة إعمار غزة»، متمنية أن «لا يطول التنفيذ». وتضيف «سكت العالم على جرائم القتل والتدمير التي ارتكبتها قوات الاحتلال، وعليه ألا يستمر في جريمة الصمت، ويعمل على تخفيف معاناة المشردين، وتوفير منازل تقي الأطفال برد الشتاء وحرارة الصيف».
ولم تكد أسرة الطفلة هدى النجار تفرح بمنزلها الجديد، الذي سكنته قبل الحرب بشهرين، حتى طاوله الدمار خلال الحرب. هدى بلغت من البراءة حدّ المطالبة بإعادة بناء غرفتها وإعادة ألعابها المدمرة. تقول ابنة الثمانية أعوام: «كانت عندي غرفة جميلة فيها ألعاب كثيرة. ضاعت كلها. لقد دمرتها قوات الاحتلال ولا أعرف ما هو السبب». وها هي اليوم تتمنى ألا تطول إقامتها برفقة أسرتها لدى جدها، وأن تعود قريباً إلى منزلها. وتضيف «سأعمل على تجميل غرفتي مرة ثانية وشراء ألعاب كثيرة».