الحكومة السودانيّة تحمّل مجلس الأمن مسؤولية «أي تصعيد» ينتج من هذا القرار «المسيّستصدّر الرئيس السوداني عمر البشير، أمس، قائمة المطلوبين الدوليين، بعدما أصدر قضاة الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه، ووجّهوا إليه سبع تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، أمس، مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمتَي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وأسقطت عنه تهمة الإبادة الجماعية. وأعلن قضاة الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة قرارهم، في مؤتمر صحافي عقدته المتحدثة باسم المحكمة، لورنس بليرون.
وقالت بليرون: «اليوم، أصدرت الغرفة التمهيدية الأولى مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمتَي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية»، في سابقة هي الأولى من نوعها بحق رئيس أثناء ولايته. ووجهت المحكمة للبشير «سبع تهم استناداً إلى مسؤوليته الجنائية الفردية»، منها «خمس تهم متعلقة بجرائم ضد الإنسانية: القتل والإبادة والنقل القسري والتعذيب والاغتصاب»، بالإضافة إلى تهمتين تتعلقان «بجرائم حرب، تتضمن تعمّد توجيه هجمات على سكان مدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال الحربية والنهب».
وخلافاً لما طلبه المدّعي لويس مورينو أوكامبو، لم يتضمن أمر القبض تهمة الإبادة الجماعية لعدم وجود أدلة كافية. وأشارت بليرون إلى أنه إذا «جمع الادّعاء أدلة إضافية، فلن يحول هذا القرار دون قيام الادّعاء بتقديم طلب لتعديل أمر القبض كي يتضمن جريمة الإبادة الجماعية». وشددت على أن «منصب البشير الرسمي كرئيس دولة حالي لا يعفيه من المسؤولية الجنائية ولا يمنحه حصانة من المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية».
كذلك وجّه القضاة مسجّل المحكمة لكي يقوم في أقرب وقت «بإعداد طلب تعاون من أجل القبض على البشير وتقديمه إلى المحكمة، وإحالة الطلب إلى السودان والدول الأطراف في النظام الأساسي كافة وجميع أعضاء مجلس الأمن التابعين للأمم المتحدة غير الأطراف في النظام الأساسي، وكذلك إلى دول أخرى عند الاقتضاء».
وأعقب إعلان القرار مؤتمر صحافي لأوكامبو أعلن خلاله أن الحكومة السودانية ملزمة بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة بحق البشير. وأضاف: «إذا لم تلتزم الحكومة السودانية، فإن مجلس الأمن سيحتاج إلى ضمان انصياعها». ورأى أنه «ما إن يسافر البشير في الأجواء الدولية، حتى يصبح بالإمكان اعتقاله». ورأى أن الأمر «قد يأخذ شهرين أو عامين، إلا أنه (البشير) سيواجه العدالة»، مشدداً على ضرورة إلقاء القبض عليه «لمنعه من تدمير الأدلة، وارتكاب جرائم جديدة».
وأثارت مذكرة التوقيف غضباً رسمياً في السودان، بينما رحبت بها أوساط المعارضة السودانية، وخصوصاً حركات التمرد في إقليم دارفور. وفي أول رد فعل رسمي، أكدت الحكومة السودانية، في بيان بثته الوكالة الأنباء الرسمية، «أن سيادة السودان واستقلاله يعدان خطاً أحمر يفديه أحفاد من صنعوا شيكان وحققوا الاستقلال وصانوه بالمهج والأرواح». ورأى أنّ «على مجلس الأمن والمجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته كاملة تجاه أي تصعيد ينتج من هذه القرارات». وأضاف أن «تعامل السودان مع العالم الخارجي سيكون رهيناً بموقف الآخرين من الاعتداء الصارخ من المحكمة المسماة دولية على السودان وعلى كرامته وسيادته الوطنية».
كذلك كشف الناطق باسم الحكومة السودانية، كمال عبيد، عن أن أجهزة الحكومة السودانية شرعت في سلسلة من الاجتماعات المكثفة بهدف محاصرة قرار المحكمة الدولية. وقال إن «مسيرة العمل ستستمر عادية في السودان الذي تعرض لهذه الابتلاءات من قبل وسيخرج من هذا الأزمة منتصراً».
بدوره، أكد وزير العدل السوداني، عبد الباسط سبدرات، أن بلاده «لا تتعامل» مع المحكمة لأنها «لا اختصاص ولا ولاية لها». ووصف أوكامبو بأنه «ناشط سياسي» وأنه «أسقط القناع القانوني عنه تماماً من خلال ظهوره المتكرر في أجهزة الإعلام المختلفة».
وقال سبدرات إن أوكامبو بدا متوتراً منذ أربعة أيام لعلمه بإسقاط القضاة تهمة الإبادة الجماعية في حق البشير. وأضاف: «قرارنا واضح. لم نسلّم أحمد هارون ولم نسلم علي كشيب، لا نتعامل مع هذه المحكمة، لا يمكن لأنهم أصدروا مذكرة بحق البشير أن نتعامل معها، لأنها لا اختصاص ولا ولاية لها». كذلك أوضح أن القرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية لن يؤثر في مشاركة رئيس الجمهورية في القمم الخارجية، ولا سيما القمة العربية في الدوحة.
كذلك، اتهم مندوب السودان لدى الجامعة العربية، عبد المنعم المبروك، المحكمة الجنائية الدولية بتجاوز صلاحياتها، وتسييس ملف السودان. وقال: «للأسف هذه المحكمة التي كان يفترض أن تمارس العدل تحولت إلى عدو يواجه السودان عبر ممارسات إرهابية».
في المقابل، رحبت الفصائل المتمردة في إقليم دارفور بقرار المحكمة الجنائية. ووصف زعيم حركة جيش تحرير السودان، عبد الواحد محمد نور، من منفاه في باريس، مذكرة التوقيف بأنها «نصر كبير لضحايا السودان ودارفور». وأشار إلى أن «الأمل كبير بأن تتوقف المجازر الجارية»، ولفت إلى أن المسؤولين عن هذه المجازر «كانوا يظنون أن البشير يحميهم، ولكنهم اليوم سيعيدون التفكير في هذا الأمر».
بدوره رحب ممثل «حركة العدل والمساواة» في القاهرة، محمد حسين شريف، بصدور المذكرة. ورأى أن اليوم «يوم عظيم للشعب السوداني ولدارفور». وأضاف: «نجدد دعوتنا للبشير للمثول أمام المحكمة لإثبات براءته، إن كان بريئاً
بالفعل».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، أ ب)