strong>جمانة فرحاتافتتح أمس فصلٌ جديد من المواجهة بين المحكمة الجنائية الدولية والرئيس السوداني عمر البشير، بعدما أصدرت الأولى مذكّرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، الذي يشهد نزاعاً أدى إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وتعود جذور النزاع في الإقليم، الذي يقع في أقصى غرب السودان ويمتد على مساحة 510 آلاف كيلومتر ويبلغ عدد سكانه ما يزيد على 6 ملايين نسمة، إلى عام 2003، عندما بدأت مناوشات بين الحكومة السودانية ومجموعات مسلحة، تحولت في ما بعد، وبسرعةٍ كبيرة، إلى اقتتال دامٍ غذّته مجموعة من الأسباب، أبرزها النزاعات القبلية التي يشهدها الإقليم.
فالنزاع القبلي، القائم على اختلافات عرقية بين العرب والأفارقة والمدفوع برغبة القبائل الرئيسية في الإقليم (وهي الفور والمساليت والزغاوة) للسيطرة على موارد الإقليم المتمثلة بالثروات النفطية واليورانيوم، أسهم في تحويل الصراع من مجرد معارضة مسلحة تواجه الحكومة، إلى حرب أهلية يتصارع فيها أبناء دارفور، وتؤدي فيها بعض الدول الإقليمية دوراً خفياً. ومثّل النزاع أيضاً دافعاً رئيسياً لبروز النزعة الانفصالية لدى بعض الحركات المتمردة، متذرعةً بالتهميش الواضح الذي يعانيه الإقليم من الحكومة المركزية في الخرطوم، الذي انعكس تدنياً في مستوى التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية.
وعلى هذا المنوال، استمرت وتيرة النزاع بالتصاعد، إلى أن وصلت إلى مراحل خطيرة، تبدّت في ارتفاع الأعمال المسلحة وترافقها مع توسّع في العمليات ضد المدنيين على أسس عرقية وقبلية، لتتوالى الأنباء عن تعرض السكان لأعمال قتل وتهجير واغتصاب تتولاها بصورة أساسية ميليشيات «الجنجويد»، وهي ميليشيات تضم عناصر من القبائل العربية الدارفورية، تحظى بدعم دوائر الحكم السودانية. أعمال أثارت قلق المجتمع الدولي، ودفعت الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، في أواخر عام 2004 إلى تأليف لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، خلُصت في تقريرها إلى أن الحكومة السودانية «لم تعتمد سياسة إبادة جماعية في دارفور»، ولكنه حمّلها، إلى جانب ميليشيات «الجنجويد» والمتمردين، المسؤولية عن خروق خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وأمام استمرار التدهور، أحال مجلس الأمن في عام 2005 الوضع في دارفور على المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار الرقم 1593. وفي مقابل ذلك، عمدت الحكومة السودانية إلى إنشاء المحكمة الجنائية السودانية الخاصة، وأحالت عسكريين على القضاء لاتهامهم باقتراف جرائم في دارفور، منها قتل مواطنين وحرق قرى. إلا أنه بعد عامين من التحقيق، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، في نيسان 2007، مذكرتي توقيف بحق وزير الدولة السابق في وزارة الداخلية، وزير الدولة للشؤون الإنسانية حالياً، أحمد هارون، والقائد بميليشيات «الجنجويد»، علي كشيب، واتهمتهما بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب».
غير أن الحكومة السودانية رفضت محاكمة أي سوداني خارج البلاد، وخصوصاً بعدما بدأ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، بالتلويح بأنه يسعى إلى توجيه اتهامات جديدة إلى مسؤولين في السودان على خلفية تدهور الأوضاع في إقليم دارفور. تلويح مهد لتوجيه اتهام رسمي للبشير بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في حزيران 2008.
فبعدما وصل عدد اللاجئين في عام 2006 إلى نحو 1.8 مليون يعيشون في مخيمات داخل دارفور، في مقابل نحو220 ألفاً فرّوا إلى تشاد ووجود 1.5 مليون يحتاجون إلى المساعدات الغذائية، جاء تقرير المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في السودان، سيما سمّر، الذي نشرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول من عام 2007، ليكشف في فقرته الخامسة والأربعين تورط الحكومة السودانية في «الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في منطقة دارفور».
وتشير آخر التقارير إلى أن النزاع في دارفور قد أوقع قرابة 300 ألف قتيل وسبب نزوح 2.7 مليون شخص من ديارهم. ويتوزع هؤلاء النازحين أساساً على أكثر من 100 مخيم للاجئين داخل البلاد وفي البلدان المجاورة، وخصوصاً تشاد.
وتعمل العديد من هيئات الإغاثة والمنظمات الدولية على مساعدة النازحين ومحاولة توفير احتياجاتهم، لكنها تتعرض للعراقيل، وكثيراً ما تقدم الحكومة السودانية على إغلاق المناطق الموصلة إلى دارفور، ويواجه أفرادها كذلك خطر التعرض للاستهداف.