صندوق النقد يكرّر وصفته بزيادة الضرائب... والفوائدحذّر رئيس بعثة صندوق النقد الدولي دومينيكو فانيتسا من أن «لبنان لا يمكن أن يبقى محصّناً في مواجهة الركود العالمي»، ودعا الحكومة إلى وضع خطط طوارئ في مواجهة التداعيات المحتملة، إلا أنه قدّم الوصفة السابقة نفسها، أي زيادة الضرائب وتعرفة الكهرباء وخفض النفقات والاستمرار في سياسة الفوائد المرتفعة!
أنهت بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان مهمتها أمس، بعد مشاورات ولقاءات عقدتها بين 19 شباط الماضي و5 آذار الماضي، وشملت معظم الأطياف السياسية... وذلك في إطار الاتفاقية المعقودة مع الحكومة والمعروفة باسم «برنامج المساعدة الطارئة في أعقاب النزاعات والكوارث (ايبكا)»، إذ تفرض هذه الاتفاقية إجراءات دورية للأداء العام.

بيان البعثة

وقالت البعثة في بيانها الختامي إن الاقتصاد اللبناني أظهر مرونة استثنائية في مواجهة الأزمة المالية التي يشهدها العالم، إذ إن «النظام المالي اللبناني لم يتعرّض تقريباً لأي تأثير مباشر للمنتجات أو الأسواق المالية التي أصابتها الأزمة»، مشيرةً إلى أن السياسات الماكرو ـــ اقتصادية والمالية الحذرة التي اتُّبعت في الأعوام الأخيرة أدّت إلى تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود أمام الصدمات الخارجية، على الرغم من الهشاشة المالية الكبيرة المرتبطة بحجم الدين العام وحاجات الحكومة التمويلية، ورأت البعثة أن الفوائض المالية الأولية أسهمت في خفض نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي بنحو 20 في المئة منذ عام 2006، فيما سياسة معدلات الفائدة الحذرة أدت إلى دعم دفق الودائع وخفض نسبة الدولرة بسرعة، وتراكم الاحتياطي من العملات الأجنبية على نحوٍ كبير، فيما الرقابة المالية الدقيقة حالت دون تعرّض المصارف في لبنان لمخاطر المصارف الدولية المضطربة والمنتجات المركّبة وأسواق الجملة المالية. وأعربت البعثة عن دعم صندوق النقد الدولي لهذه السياسات من خلال إطار مراقبة فصلي واتفاقين يقعان ضمن برنامج المساعدة الطارئة، مشيرة إلى تحقبق كل المؤشرات الكميّة المحددة ضمن البرنامج المذكور خلال الفترة الممتدة إلى نهاية كانون الأول 2008، بل جرى تخطّي بعض هذه الأهداف بهوامش واسعة، ما عدا المراجعة المُرادة لتعرفة الكهرباء وتأجيل مشروع خصخصة رخصتي الهاتف الخلوي.

تحدّيات عدّة

ورات البعثة أن تحديات عدة لا تزال بانتظار لبنان، إذ سيتأثر جراء الركود العالمي وضعف التوقعات الاقتصادية لمنطقة الخليج. فمن المتوقّع أن تتأثّر سلباً تحويلات المغتربين والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة واستثمارات المحافظ المالية ودفق الودائع... ومن المتوقّع أيضاً أن ينخفض نمو إجمالي الناتج المحلي إلى ما بين 3 و4 في المئة في سنة 2009 مقارنةً بـ 8 في المئة في العام الماضي. وقالت البعثة إن التدهور الإضافي للأوضاع العالمية وارتفاع أكلاف التمويل وعدم استقرار الأوضاع السياسية في لبنان، هي عوامل قد تُظهر مكامن الضعف المالية للبنان، ما يزيد من أهمية وضع خطط طوارئ.

3 محاور

وقالت البعثة إنها ناقشت مع السلطات اللبنانية سبل مواجهة الاتساع المتوقع للعجز المالي في سنة 2009، وذلك عبر مجموعة من السياسات، التي تُعدّ ضرورية لحماية الإنجازات المحقّقة من المخاطر المالية والماكرو ـــ اقتصادية، داعيةً إلى التركيز على ثلاثة محاور:
■ إعادة توجيه السياسات المالية لتنسجم مع أهداف خفض العجز والدين العام الواردة في برنامج باريس 3، وذلك من خلال التنفيذ الحذر للموازنة واعتماد تدابير التدعيم المالي بعد الانتخابات النيابية. وتبقى الأولوية للعمل على خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي. وفي هذا الإطار ثمة إجراءات أساسية منها خفض أكلاف توليد الطاقة وتوزيعها من خلال إصلاحات مؤسسة كهرباء لبنان وإعادة النظر بالتعرفة، إضافةً إلى السعي إلى تحقيق إيرادات إضافية. وبذلك، يجب أن يكون الهدف تفادي ارتفاع العجز. وفي الوقت عينه، يفرض التباطؤ الاقتصادي المتوقع إعادة توجيه الإنفاق ـــ ضمن إطاره الحالي ـــ إلى حماية الفقراء.
■ مقاربة حذرة في ما يتعلق بسياسة معدّل الفائدة من أجل مزيد من تثبيت التراكم الحالي لاحتياطي العملات الأجنبية. إذ إنّ المخاطر المرتبطة بكيفيّة تطوّر الأزمة المالية العالمية والغموض الذي يلفّ الوضع السياسي المحلّي قبيل الانتخابات النيابية في شهر حزيران، يدعوان إلى المضي قدماً على المدى القصير في الموقف النقدي الحالي الحذر... ومواصلة انتهاج اليقظة والحذر في الإشراف على المصارف، ودعم هذه السياسة من خلال تعزيز الإطار القانوني. إذ إن الخطوات التي اتخذت أخيراً لتعزيز الإطار المصرفي من خلال تطبيق قانون دمج المصارف، هي موضع ترحيب. وينبغي دعم ذلك من خلال توسع الحماية القانونية لتشمل المشرفين على المصارف، تماشياً مع الممارسات الدولية الفضلى. وينبغي على مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف الاستمرار عن كثب في رقابتهما الفاعلة للمصارف التجارية، وفي وضع خطط الطوارئ في ظل التوقعات بمزيد من التدهور العالمي.

كلفة شراء الوقت

وقال رئيس البعثة دومينيكو فانيتسا في مؤتمر صحافي مشترك عقده أمس مع وزير المال محمد شطح إن «تفاقم الأزمة العالمية يجعل من الملحّ أكثر معالجة نقاط الضعف في لبنان، ويجب الشروع في ذلك»، مشيراً إلى أن «ثمة طريقتين فقط لمعالجة وضع المالية العامة، إمّا خفض النفقات، وإمّا زيادة الضرائب، وهذا أمر لا يمكن القيام به بين ليلة وضحاها، ولكن أي تقدم في هذا المجال سيكون موضع ترحيب»، وأضاف «نحن نعتقد أن الدين بلغ هذا المستوى لأن القرارات الصعبة لم تتّخذ منذ سنوات، وهذه القرارات ستكون أصعب الآن، وسيكون من الضروري اتخاذ المزيد من الإجراءات لتعزيز الإيرادات من خلال الضرائب وخفض النفقات»، وتابع «نحن نوصي لبنان بأن يبدأ بمعالجة هذه المشكلة وبمراكمة الفوائض الأولية حالما تتيح الظروف السياسية ذلك، طبعاً لا أحد يرغب في زيادة الضرائب، ولكن أحياناً لا خيار آخر لخفض العجز الذي يعدّ الهدف الرئيسي».
ورأى فانيتسا رداً على سؤال أنه «من دون الرسوم على البنزين لما كان الوضع المالي للبنان قابلاً للحياة».
وقال «كل الأطراف السياسيين الذين التقيناهم أعربوا عن التزامهم بإصلاحات باريس 3، لذا نعتقد أن المضي قدماً في الإصلاحات سيجري بعد الانتخابات أياً كان الفائز بها... ونحن نرى أن المضي في هذه الإصلاحات هو السبيل الوحيد لتسريع صرف تحويلات باريس 3، فالمجتمع الدولي لن يكون قادراً على مواصلة دعم لبنان إلا إذا نفّذ السياسات الإصلاحية».
(الأخبار)


10 في المئة

هو معدّل نمو الودائع هذا العام مقارنةً بـ15 % في العام الماضي، وهذا الانخفاض ليس بسيطاً بحسب شطح


4 مليارات دولار

العجز هذا العام وهو ناجم عن إنفاق قياسي بحسب ما قال شطح أمس، سواء أُقرّ مشروع الموازنة أو لم يقرّ

نتفق مع صندوق النقد

قال وزير المال محمد شطح «نحن نتفق مع صندوق النقد على الدعوة إلى زيادة الضرائب، ولكن خارج هذه المرحلة». وأضاف إن «بعثة صندوق النقد تتفهّم الوضع في لبنان لجهة أن أي زيادة على الضرائب لن تحصل في الوقت الراهن، بل ثمة إجراءات هامشية في مشروع الموازنة الذي يعطي الحكومة إجازة بزيادة الضريبة على الدخل من الفوائد من 5 إلى 7 % وهي إجازة فقط ومتروكة للتوقيت المناسب».