أصبحت شركة صيانة مطار بيروت الدولي «MEAS» ممسوكة بشكل مطلق من فريق سياسي واحد، هو تيار المستقبل، الذي يشرف على كل شاردة وواردة فيها من الموظفين والأمن وصولاً الى قرارات مجلس الإدارة!
رشا أبو زكي
مرت شركة صيانة منشآت المطار «MEAS»، التابعة لشركة طيران الشرق الأوسط، بمشكلات عديدة، وكانت على وشك الانهيار الفعلي، عندما حاول وزير الأشغال العامة سابقاً ووزير الاقتصاد حالياً محمد الصفدي تنحيتها وإلغاء حصريتها في المجال الذي تنشط فيه، إذ أرسل كتاباً رقمه 684/ ص الى مجلس الوزراء في عز حرب تموز، أي في 1 آب 2006، يصرّ فيه على تكليف مجلس الإنماء والإعمار إعداد دفتر الشروط الخاص لإجراء مناقصة تهدف إلى تلزيم أعمال الصيانة في المطار، وكان قد استبق هذا الكتاب بتوجيه إنذار في 31/6/2006 إلى المتعهد الحالي، أي شركة MEAS، لإنهاء العقد القائم معها، واشترط الصفدي يومها أن يتضمّن دفتر الشروط بنوداً تلغي الفقرتين اللتين تضمنان للشركة حق الشفعة، أي قبول أو رفض نتائج المناقصة، وحق الفوز بالمناقصة إذا قبلت MEAS دفع مبلغ يوازي العرض الأدنى الأخير في المراحل الأخيرة من المناقصة.
يومها، لم يتخذ مجلس الوزراء اي قرار في هذا الشان، بل إن الصفدي نفسه تبرّأ من كل الملف، وصار الحديث يدور حول صراع قائم بين رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، هو الذي فرض طرح الملف ثم ضبضبته بعد تدخّل من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي ألزم الاطراف المعنيين بسقف لا يمس مصالح التابعين له في هذه الشركة، فانتهى الامر الى تغيير بعض وجوه الادارة، من دون ان يؤدي ذلك الى تغيير الذهنية التي تدفع بالشركة نحو الهاوية، عبر تحويلها الى مرتع للتوظيف السياسي والانتخابي.
أنشئت شركة «MEAS» عام 1998 واعتبرها رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري أحد إنجازاته الخاصة، على الرغم من أنها تابعة لشركة «MEA» التي يملك مصرف لبنان كل اسهمها تقريباً، منذ ذلك الحين دخلت الشركة في سلسلة من الصراعات السياسية بفعل تبعيتها لجهة سياسية واحدة، بدأت مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود الذي حاول تقليص مدة العقد مع الشركة من 7 سنوات إلى 5 سنوات، لكنه لم يستطع، وبعد انتهاء العقد الأول كانت المطالبات بتجديده لمدة ثلاث سنوات إلا أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قلّصت مدة التجديد إلى عام ونصف العام على أن تنتهي مدة العقد في 31/12/2006، ومن ثم بدأ العقد يمدّد سنوياً، حيث من المتوقع، وفق ما قرر مجلس الوزراء، إجراء مناقصة عالمية على صيانة المطار خلال العام الجاري، على أن يبت الموضوع نهائياً في نهاية عام 2009، فإما أن تتسلّم شركة جديدة الصيانة وإما ان تستمر MEAS في عملها. وفي انتظار المناقصة، كبر حجم المنافسة بين تيار المستقبل وفريق رئيس الحكومة فؤاد السنيورة للسيطرة على الشركة.
تبدأ الحكاية من مجلس الادارة السابق الذي كان مؤلفاً من 4 أشخاص، رئيس مجلس ادارة الشركة أسامة دمج وهو عميد متقاعد كان مقرباً جداً من الحريري، والنائب غازي يوسف (مستشار الحريري سابقاً)، وشوقي قازان (محام في مصرف لبنان وهو مقرب من الحريري ومن حاكم مصرف لبنان)، ونبيل نصار (جاء به الحريري من السعودية للعمل في سوليدير، ومن ثم عيّنه عضواً في مجلس ادارة MEAS). الا أن دمج استقال من مجلس الادارة عام 2002 اثر خلاف مع المدير العام لشركة «ميدل إيست» محمد الحوت، فعيّن مكانه نبيل نصار رئيساً لمجلس الادارة، ليشغر مقعد في المجلس.
وفي تشرين الثاني الماضي، تعرّض نصّار لوعكة صحيّة اثناء وجوده في أبو دبي، وبقيت الشركة بعهدة مجلس ادارة يعمل بنصف الأعضاء فقط، الى أن تم تعيين مجلس ادارة جديد منذ حوالى شهر لم يعلن عنه رسمياً حتى الآن. وجاء النائب غازي يوسف رئيساً أصيلاً لمجلس الادارة، اضافة الى الأعضاء قازان، وصلاح عيتاني (كان في شركة ميدل ايست ويعمل في الامارات)، وجورج معوض.
وبعد التشكيلات الجديدة، بدأ التنافس بين تيار المستقبل وتيار السنيورة يتوسع، ولكن بضجة محصورة ضمن جدران شركة MEAS، إذ تشير مصادر مقربة من «فريق السنيورة» اأنه عُيّن مسؤول المعلوماتية في الشركة محمد شاتيلا رئيساً لدائرة المشاريع بالتكليف، وحصل شاتيلا على توكيل بإدارة جميع أمور الشركة بغياب رئيس مجلس الادارة غازي يوسف، فكان أن أمسك بالملفات المالية والعلاقة مع مجلس الانماء والاعمار وغيره وأصبح يحل محل الادارة العامة في الشركة، وكل ذلك بتوكيلات خطها يوسف.
وتلفت المصادر الى أن شاتيلا بدأ التصرف كأنه «الآمر الناهي» في كل ما يتعلق بالشركة، ووظف أشخاص بأجور مختلفة عن تلك التي يتقاضاها الموظفون الجدد في الشركة عادة، والأكثر غرابة هو قرار إنشاء جهاز امني خاص بالشركة، يتألف من أشخاص تابعين بطبيعة الحال لتيار المستقبل، وترى المصادر أن هناك ما يشبه الامساك الامني بالشركة من قبل يوسف ويده التنفيذية أي شاتيلا. ويظهر ذلك جلياً في الأكشاك التي نُصبت عند مداخل الـ«MEAS» وتركيب أجهزة المراقبة والكاميرات في نقاط متعددة... لتصبح هذه الشركة شبيهة بمحمية خاصة لتيار المستقبل في قلب المطار، تجمع موظفين ومجلس ادارة وجهازاً امنياً تابع لفريق سياسي واحد.