مسقط ــ فداء عيتانيلولا ثلاثة أمور، لكان مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الخامس عشر في العاصمة العمانية مسقط، قد مرّ كعطلة صيفية في منتصف الشتاء، حيث كان سيكرّر كل ما سبقه من مؤتمرات، بما في ذلك إعادة نبش البيانات الختامية، ونفض الغبار عنها، ثم إعادة تلاوتها أمام الصحافيين.
لكن هذه المرة في مسقط، كان هناك، أولاً الخلاف العربي ـــــ العربي، داخل الاجتماع الذي عقدته لجنة صياغة البيان الختامي، كذلك التقارب السوري ـــــ السعودي، الذي ظهر في آخر لحظات المؤتمر متجسّداً بغزل من طرف المملكة، إضافة إلى ما قدّمه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من معطيات أمام المؤتمرين، تخص الاتحاد البرلماني، كما البرلمان العربي، والأهم هو تقديمه اقتراح لعقد قمة برلمانية عاجلة في الخرطوم للتباحث في سبل التضامن مع الرئيس السوداني عمر البشير، بعد القرار الدولي بجلبه إلى المحكمة الدولية. دعوة لم يحسن الوفد السوداني تلقّفها، فذهبت كأنها لم تكن، واكتفى البيان الختامي بعبارات تضامن مع السودان.
لقد أدى طاقما مجلس الشورى العماني والديوان السلطاني دورهما كاملاً، على مستويات التنظيم والإدارة ومتابعة الأعمال للاتحاد. إلاّ أن الإدارة الجيدة لا تكفي وحدها لإنجاح مؤتمر عربي محكوم بالخلافات.
في اليوم الأخير من أعمال المؤتمر، الذي حضره نحو 16 رئيس برلمان ومجلس شورى عربي، مسجلاً رقماً قياسياً لمشاركة رؤساء في أعمال الاتحاد، تألفت لجنة الصياغة من أمناء عامّين للمجالس البرلمانية وبعض المشاركين من النواب.
وخلال انعقاد جلسة لجنة صياغة البيان الختامي، كانت الأمور تسير على خير، إلى أن نشب الخلاف الأول بين الوفد المصري والوفد السعودي، الذي حاول إدخال شكر لملك السعودية عبد الله، على جهوده في مجال العلاقات العربية ـــــ العربية، حسبما قال عضو مجلس الشعب المصري رجب هلال حميدة.
وانتهى الأمر إلى فقرة في البيان الختامي ترحّب بالمبادرة التي أطلقها الملك عبد الله إبّان القمة العربية الاقتصادية في دولة الكويت، بدعوته الى «وأد الخلافات بين الأشقاء والتطلّع الى المستقبل»، منوهاً بـ«الاستجابة السريعة والصادقة لهذه المبادرة من جانب القادة العرب وبالخطوات الجادة التي أعقبتها على طريق تنقية الأجواء بين البلدان
الشقيقة».
وأعرب المؤتمر عن أمله أن «يتمكن مؤتمر القمة العربية المقبل في الدوحة من رأب الصدع وتوحيد الصف وحل الخلافات العربية ـــــ العربية، وإحياء التضامن العربي في إطار استراتيجية عملية تُمكّن الأمة العربية من مواجهة الأخطار المحدقة بها ومتابعة مسيرة تطورها وإثبات وجودها الفاعل على الصعيد الدولي».
وبحسب مشاركين في المؤتمر، فإن خلافاً آخر نشب بين الوفود العربية، حين حاول الوفد المصري إدخال شكر للرئيس حسني مبارك على جهوده في مجال المصالحة الفلسطينية. إذ تدخّل الوفد القطري ليظهر دور الدوحة في ملفّات مثل المصالحة الفلسطينية ـــــ الفلسطينية وملف التفاوض بشأن دارفور، وغيرها. عندها علت أصوات أعضاء من الوفد المصري، ولاحظ المشاركون في لجنة الصياغة، أن أحد أعضاء الوفد المصري يشارك بحدّة في النقاش الناشب، أثناء تركه لجهازه الخلويّ مفتوحاً.
ووجّه أحد النواب المصريين إهانة لدور قطر العربي، لكن ممثل قطر طالبه بالتراجع والاعتذار عنها.
وفي النهاية، صدر البيان الذي لم يهتم الكثير من رؤساء الوفود بالاستماع إليه كاملاً، فغادروا مسرعين نحو طائراتهم أو متمتعين بكرم ضيافة عمان وجمال طقسها المعتدل في هذا الوقت من العام.
بعد تلاوة البيان الختامي، طلب رئيس مجلس الشورى السعودي عبد الله آل الشيخ، الكلام بصورة طارئة «ليزفّ بشرى إلى المشاركين»، مؤكداً أن مباحثات جرت مع رئيس البرلمان السوري حول إنشاء مقر الاتحاد البرلماني في دمشق (علماً بأن الأرض قدمتها سوريا منذ إنشاء الاتحاد، لكن الخلافات العربية أجّلت تمويل إنشاء المقر).
وأضاف آل الشيخ: «سيكون بيني وبين رئيس مجلس الشعب السوري مباحثات، ولا أريد استباق النتائج، لكن البحث في الأمر مقبل».
ولحظة انتهاء الشيخ من الكلام، نظر نحوه الرئيس نبيه بري وسأله ضاحكاً: «لم نفهم، هل ستعمّرون المقر أم لن تعمرّوه؟».