اللجنة اللبنانية الإيرانية تلتئم لأول مرّة منذ 8 سنواتمحمد وهبة
«منذ 8 سنوات لم تعقد اللجنة الوزارية الاقتصادية المشتركة بين لبنان وإيران أي اجتماع... فالعلاقة على المستوى السياسي متواصلة وبمستوى جيد، أما على المستوى الاقتصادي فهي لم تتوسع أو تنمو في السنوات الأخيرة». بهذه العبارة يختصر وزير الإسكان والأشغال العامة الإيراني محمد سعيدي كيا مسيرة سنوات طويلة من العلاقات بين لبنان وإيران، التي طالما استُثني منها تعزيز التبادلات التجارية والاستثمارات.
ظلّت العلاقات الاقتصادية بين لبنان وإيران تسير عكس العلاقات السياسية، إذ إن الحضور الإيراني في بيروت وعلاقات طهران القوية مع حزب الله والعديد من القوى والشخصيات السياسية... لا يجدان مرادفاً لهما على صعيد تبادل الاستثمارات والسلع والخدمات والأفراد، ما عدا المتعلّق منها بالدعم المالي الذي يعتبره البعض في لبنان دعماً سياسياً يخدم تعظيم الدور الإيراني في الشرق الأوسط.
ويشير سعيدي كيا في دردشة مع «الأخبار»، على هامش الدورة السادسة للجنة الاقتصادية اللبنانية ـــــ الإيرانية التي انعقدت أمس في فندق كورال بيتش في بيروت، إلى أن أسباب عدم نمو هذه العلاقات وتوسّعها «نابعة من المسائل والتطورات التي واجهها لبنان في السنوات الأخيرة»، ولكنه يرفض الدخول في تفاصيل هذه الأسباب، داعياً إلى تجاوزها عبر «إعادة النظر في الاتفاقيات الموقّعة أو بعضها، والعمل على إزالة القيود الجمركية».
إلا أن هناك من يجاهر بأن الأسباب سياسية بامتياز، وتتصل بالضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية وبعض العواصم العربية، ولا سيما الرياض، إذ إن هؤلاء يريدون أن يحصروا الحضور الإيراني بحزب الله، لاعتقادهم بأن هذا الحضور سيبقى محكوماً بالفئوية، وبالتالي سيزول لاحقاً.
هناك أمثلة كثيرة عن محاولات طرد الاستثمارات الإيرانية من لبنان. ففي عام 2004، فازت شركة «تعميرات نيرو» بمناقصة تشغيل معملي دير عمار والزهراني وصيانتهما، إلا أنها سرعان ما تنازلت عن حقوقها وانسحبت بفعل ضغوط جبارة مورست على الإيرانيين، وشاركت فيها سلطة الوصاية... كما رفضت هذه السلطة عروضاً سخية من الجانب الإيراني لتبنّي مشروع «إليسار» وتمويله، إذ اعترضت أكثر من جهة سياسيّة على إدخال الإيرانيين في استثمارات البنى التحتية في لبنان، وكذلك هناك مشاريع عدّة في مجال الكهرباء جوبهت بالتجاهل والعرقلة، ما فرض على الإيرانيين دعم مشاريع محددة عبر قنواتهم الخاصة أو عبر مؤسسات تابعة لحزب الله.
لقد استجابت إيران دائماً لتقسيم العمل الذي ساد حقبة الوصاية، واعتبر وزير الصناعة غازي زعيتر هذا التقسيم فيه شيء من الصحة، ولكنّه لا يجزم بأنه وراء تراجع الوزن الاقتصادي لإيران في لبنان، ويوافقه في هذا الرأي وزير الاقتصاد الأسبق النائب ياسين جابر.
ولم تكن هذه التجارب هي الوحيدة، فقد كانت هناك محاولات عدّة مع القطاع الخاص أيضاً، بحسب ما يروي مطّلعون. فقد أنشأ الإيرانيون في لبنان «المؤسسة الاقتصادية» في مطلع التسعينيات، ولكنها كانت غير ناجحة، لأنهم «لم يعرفوا بمن يثقوا، واضطروا إلى الانسحاب على وقع سوء الإدارة. ولاحقاً عزفوا في مناقشاتهم عن ذكر الإدارة في أي مشروع يحاولون الفوز به، فحصروا الأمر بالتمويل والمراقبة والمتابعة، على أن تكون الإدارة لشركة خاصة».
وعلى المستوى التجاري، لم يكن الأمر أفضل حالاً. فما قبل 2005 كان مختلفاً عمّا بعده، إذ تراجع حجم التبادل من 79.3 مليون دولار في 2004 إلى 51.9 مليوناً في 2005 و60 مليوناً في 2006 و72 مليوناً في 2007، ثم ارتفع إلى 144 مليوناً في 2008. وكان لبنان يصدّر بقيمة 21 مليون دولار في 2004، ونما التصدير سنوياً إلى 40 مليون دولار في 2007، ولكنّه سجّل ارتفاعاً كبيراً في 2008 وبلغ 100.8 مليون دولار، إلا أن المنحى كان عكسياً بالنسبة إلى وارداته من إيران، فبلغت 58.4 مليون دولار في 2004 وانخفضت إلى 33.4 مليوناً في 2007 ثم ارتفعت قليلاً في 2008 إلى 43.2 مليوناً، ولكنها لا تزال دون المحقق قبل أربع سنوات. ويشير النائب جابر إلى أنه لم يكن ممكناً تطوير العلاقة التجارية مع إيران، لأن لديها كثيراً من المنتجات الممنوع دخولها. ومع بداية عهد الرئيس محمد خاتمي، بدأ عهد الانفتاح وبدأنا نوقّع اتفاقيات ثنائية... أما اليوم، فتستحوذ صادرات الفستق على 37 في المئة من مجمل واردات لبنان من إيران، تليها بنسبة 20 في المئة محرّكات السيارات والآليات الصغيرة، والسجاد الإيراني ومشتقات الغزل بنسبة 13 في المئة، وأنواع من البلاستيك والمواد الكيماوية المستخدمة في صناعة البلاستيك بنسبة 5 في المئة، والقريدس بنسبة 4 في المئة. أما أبرز خمسة صادرات لبنانية إلى إيران فهي كالآتي: 91 في المئة من مجمل الصادرات هي منتجات معدنية ومنتجات الصناعات الكيماوية، 1 في المئة آلات ومعدات كهربائية، 1 في المئة مطبوعات ورقية وصور فوتوغرافية، 1 في المئة كتب مطبوعة و1 في المئة أجهزة كهربائية ومحوّلات.
والغريب أن العلاقات الرسمية بين البلدين المتصلة باتفاقيات ثنائية وتشجيع للتبادل التجاري «كانت موجودة منذ عام 2000، كما يشير زعيتر، إلا أنها «بقيت حبراً على ورق ولم تتفعّل». أما عن أسباب توقف انعقاد اللجنة، فيتفق زعيتر مع سعيدي كيا على أن الأمر كان متّصلاً بالأوضاع التي كانت سائدة، إلا أن هذا الأمر كان منعكساً على كثير من اللجان الاقتصادية اللبنانية العربية. فاللجنة مع مصر مثلاً توقفت عن الانعقاد لمدة خمس سنوات! كما يتفقان أيضاً على أن العلاقات الثنائية دون المستوى، وقد أشار زعيتر في اتصال مع «الأخبار»، إلى ضرورة زيادة حجم التبادل ليصبح منسجماً مع العلاقات المميزة بين الدولتين... وهذا يتطلّب توفير أجواء هادئة بدأت تظهر مع انتخاب الرئيس ميشال سليمان ثم زيارته الأخيرة إلى طهران وزيارة بعض الوزراء أيضاً. ويقول سعيدي كيا إن هذه الأجواء «لم تكن متوافرة كما يجب سابقاً. واليوم هو أول اجتماع للجنة الوزارية المشتركة منذ 8 سنوات، وقد خُطّط لبنود أعمالها في الشهر الماضي، وجرت مراجعة كل الاتفاقيات السابقة، وسنعمل في هذه الاجتماعات على وضع الأسس لها لتنفيذها».


4 لجان

هو عدد اللجان التي اتفق لبنان وإيران على إنشائها لحصر المسار الاقتصادي «الجديد» بينهما، بحسب ما قال كيا. فقد نُظّمت كل المسائل المتصلة بالعلاقات التجارية والاقتصادية وغيرها «بهدف التشاور في إعداد صفحة ذهبية»


زيارة سرّية عبر دمشق