فوجئ المصروفون تعسّفياً من جريدة «البلد» بأن التعويضات التي حصلوا عليها خاضعة لضريبة الدخل. وقد أكدت وزارة المال هذه الواقعة، لكنّ خبراء المحاسبة والضريبة يشيرون إلى إعفاءات يمكن أن تطالهم
محمد وهبة
كشف صرف أكثر من 20 موظفاً من جريدة «صدى البلد» أخيراً عن ثقب خطير في بعض بنود قانون ضريبة الدخل، إذ إن بعض المبالغ التي يحصل عليها المصروفون تعسّفياًَ من العمل تخضع لضريبة دخل تصاعدية تبدأ بـ4 في المئة وتنتهي بـ21 في المئة، وهي معروفة باسم ضريبة الباب الثاني، فلا تعفى هذه المبالغ إذا كانت التعويضات المالية التي حصل عليها المصروف من العمل غير تلك المنصوص عليها في أحكام قانون الضمان الاجتماعي، وأيضاً إذا لم تكن واردة ضمن عقد عمل جماعي مصرّح عنه في وزارة العمل.
وكان النموذج الذي كشف هذه المسألة واضحاً في تظهير هذا الخلل، إذ أدّت المفاوضات بين لجنة من الموظفين وإدارة الجريدة إلى اتفاق على التعويض المناسب للصرف التعسّفي على أن يوقّع المصروفون أوراق «فسخ عقد». وبموجب الاتفاق، حصل كل واحد منهم على تعويض مالي يوازي راتب شهر عن كل سنة قضاها في هذه الشركة، هذا بمعزل عن أي تعويض مستحق في صندوق الضمان، كما يتضمن الاتفاق إنذاراً يوازي بدل راتب شهرين وتدوير السنة وبدل فروقات عدم تسجيل الموظفين أو تأخيره في صندوق الضمان، وبدل إجازات مستحقة وشهرين مكافأة وشهرين إضافيين.
لكن عندما حان وقت القبض، اكتشف الموظفون أن الإدارة تحسم من قيمة التعويضات مبلغاً محتسباً على شطور التعويض بنسب محددة مسبقاً أشارت إلى أنها ضريبة دخل، وقد بلغت لدى البعض راتب شهر كامل أو أكثر... وبالتالي فإن المفاجأة تتمثل في كون بعض أنماط تعويضات الصرف التعسفي تخضع لتأدية الضريبة، فيما هذا الأمر ليس عادلاً بالنسبة إلى المصروف من العمل والذي بات خطر البطالة الطويلة الأمد يهدّده، وذلك بصرف النظر عن أي ارتباطات والتزامات ماليّة واجبة عليه أو عقدها حين كان عاملاً (تقسيط سيارة، بيت...).
وبمعزل عن مدى صحّة تأدية الشركات لهذه الضريبة أو التذرّع بها لتخفيف كلفة الصرف، يؤكد مدير المحاسبة في وزارة المال أمين صالح أن تعويضات الصرف المنصوص عليها في قانون الضمان الاجتماعي معفية من ضريبة الدخل، مشيراً إلى أن أي زيادة تطرأ عليها تخضع للضريبة إذا لم تكن مشمولة بنظام عمل شامل مصدّق عليه من وزارة العمل، وهذا ما يطلق عليه اسم عقد العمل الجماعي.
وبالتالي، فإن أي إضافات على هذا التعويض والبدل المادي للإجازة الإدارية تخضع لهذا النوع من الضريبة التي تختلف نسبة تحصيلها بحسب حجم المبلغ الإضافي الذي يحصل عليه المصروف من العمل، وتحتسب وفقاً لمجموعة عناصر، منها إذا كان متأهّلاً ولديه أولاد، وإذا كان مقيماً أو غير مقيم، أي إذا كان لديه محل إقامة معروف أو يقيم في منزل أهله وأقاربه مما سيخفض الضريبة... ولكنها في كل الأحوال تبدأ بـ4 في المئة وتنتهي بـ21 في المئة.
إلا أن الخبير المحاسبي والضريبي عبد الرؤوف قطيش يعتقد أن هذه النقطة تحتاج إلى التوضيح، إذ لا يمكن تحميل المنقطع عن العمل ضريبة، وبالتالي يجب أن يذكر هذا الأمر بوضوح في المادة 47 من قانون ضريبة الدخل التي تنص على البنود المستثناة من ضريبة الدخل وهي: المخصصات التي يحصل عليها رجال الدين، رواتب سفراء الدول الأجنبية، معاشات التقاعد، التخصيصات لمدى الحياة والتعويضات المؤقتة التي تدفع لحوادث العمل، أجور اليد العاملة الزراعية، أجور الخدم في المنازل، أجور الممرضين والممرضات في المستشفيات ودور الأيتام... وأخيراً يذكر «تعويض الصرف من الخدمة وفقاً للقوانين النافذة». وبما أنه لم يوصَّف أي نوع من الصرف (تعسفي أو غير ذلك)، فيجب أن يكون كلّ تعويض معفى، على أن تكون حجّته مقرونة بقانون... وفي حالة المصروفين من جريدة البلد، كان يمكن أن يكون الصرف التعسفي وفقاً لأحكام المادة 50 من قانون العمل، وبالتالي تكون كل التعويضات التي يحصل عليها هؤلاء معفاة من ضريبة الدخل.
ومهما يكن الشكل والمقتضى القانوني الذي يبنى عليه الصرف التعسفي، فغالباً ما تقوم الشركات بحسم نسبة الضريبة المحددة بالقانون من قيمة التعويض للموظف المصروف من العمل، ولكنها لا تدفع هذه الضريبة إلى الدولة، بل تحاول أن «تحتال» على القانون وتعفيها بكل الطرق القانونية الممكنة، وأن تحتفظ بهذه الأموال...وما يؤدي إلى إنهاء هذه الحالة هو توضيح بعض الثغرات في القانون التي يمكن أن يستغلها أرباب العمل، لكنّ الأمر يحتاج إلى تشريع في مجلس النواب.
وتعليقاً على هذا الأمر، يطالب رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن بأن يقوم مجلس النواب بواجبه في هذا الأمر ويوضح البنود القانونية في ضريبة الدخل بما يؤدي إلى إعفاء كل تعويضات الصرف من هذه الضريبة، إذ إن هذا الأمر يخالف أبسط القواعد الأخلاقية، لا الحاجات الاجتماعية والتشريع المبني عليها فقط. ويشير إلى أن عقلية السياسات الاقتصادية الحاكمة هي عقلية محاسبية، «فهم يقتطعون ضريبة على حبة الدواء، ولدينا حكومة تمارس سياسة التشبيح».