غير المضمون يسدّد 60 دولاراً سعر «البطاقة الصحيّة» و10% من الفاتورةمحمد وهبة

1- أقرّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة مشروع التأمين الصحي الإلزامي (البطاقة الصحية)، لكن وزير المال محمد شطح وصفه بأنه تنظيم للواقع الحالي لا تغيير في السياسة الصحيّة، فهل نوقش هذا الأمر في الجلسة؟

■ يردد الوزير محمد شطح ما قلته في مجلس الوزراء، فعندما طرحنا المشروع سابقاً تحوّل قلقاً لدى بعض من رأوا أنه يهدّد امتيازاتهم ويؤدي إلى خصخصة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فقلنا إن الوزارة تنظّم نفسها. لكن في الجلسة نفسها، نوقش موضوع الإصلاح في الصناديق الضامنة، وجرى التمييز بين التأمين الصحي الإلزامي والإصلاحات التي بدأت بالقرارات المتخذة بالنسبة إلى التعرفات الاستشفائية، فهي مقدّمة لآلية موحّدة للأسعار وللعلاقة بين المؤسسات الضامنة الرسمية والمستشفيات...

2- كيف تضمن أن هذا المشروع سينجح ولن يكون معرضاً للهدر والفساد كما هي عليه الحال اليوم؟

■ كان النظام السابق المتبع مع المستشفيات (نظام الاسرّة) يتيح مجالاً للفساد والهدر، فعدّلوه لاحقاً إلى نظام السقف المالي، أي توزيع الكلفة مناطقياً وطائفياً، وهذا لم ينجح أيضاً. فأجرينا دراسة عن كلفة الفرد السنوية على الوزارة فبلغت 185 دولاراً، وبدأنا نبحث في طرق التمويل. فرأينا أن نجاح المشروع يوجب أن يكون إلزامياً لا اختيارياً كما حصل في الضمان الاختياري، وأن يكون تعاضدياً بين الفقير والثري وبين صغير السن وكبير السن، فالأسوأ في الجهات الضامنة الرسمية أن التغطية لا تشمل المتقاعدين، فيما 45% ممن تعالجهم الوزارة هم فوق 65 عاماً ويمثّلون 7% من مجمل عدد المرضى في لبنان.
وسيُمَوَّل هذا المشروع عبر موازنة وزارة الصحة ليحصل كل مواطن ليس لديه تغطية صحية على بطاقة إلكترونية تموّل الوزارة جزءاً ثابتاً منها بقيمة 100 دولار، وهو يوازي موازنتها الحالية، فيما يدفع المواطن حوالى 60 دولاراً وهذا ثابت أيضاً، لكنه يختار أن يحصل على بطاقة تخوّله دفع 10% من كلفة الاستشفاء المباشرة أو 20% بحسب سلّة الخدمات التي يطلبها.

3- هل تعتقد أن الفقراء سيتمكنون من دفع هذه الكلفة؟

■ الجميع بإمكانهم أن يدفعوا كلفة هذه البطاقة، إذ تبين لنا أنه من أصل 100 ألف حالة استشفاء على حساب وزارة الصحة، لدى 70% من أصحابها خط خلوي ثابت، أي إن أحوالهم المادية تسمح لهم بتمويل كلفة استشفائهم، وسيكون هناك بعض الحالات الاستثنائية التي سنجد لها حلولاً.

4- ألا يطوّر هذا المشروع دور وزارة الصحة العامة على حساب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي تلاقى الجميع حوله في إحدى ورش العمل للمفوضية الأوروبية كمرجع لنظام صحي شامل يموّل من الموازنة العامة؟

■ هناك نسبة 50% من اللبنانيين غير مشمولين بأي تغطية صحية ويعالجوا على حساب الوزارة، ولو كانوا أجراء لانتسبوا إلى صندوق الضمان الاجتماعي، منهم أثرياء وفقراء، والاثنان لديهم الحق في الطبابة والاستشفاء ما داموا يدفعون الضريبة للدولة، لذلك يهدف مشروع التأمين الصحّي الإلزامي إلى توفير تغطية صحيّة لهؤلاء، فبحثت عن أفضل طرق التمويل ولم أجد ما ينسجم مع الواقع اللبناني إلا هذا المشروع. ففي بريطانيا يعمل النظام الصحي بناءً على نظام الاقتطاع الضريبي أو (Taxation) الذي يعطي للمواطنين كل الحق بالاستشفاء والطبابة مقابل تمويل الصحة بنسبة محددة من الضريبة المحصّلة. إلا أن هذا النظام وقع تحت عجز وباتت لائحة الانتظار للعمليات الاستشفائية طويلة وبلغت 8 أشهر للقلب المفتوح و6 أشهر لتغيير ورك... وهذا الأمر غير مقبول في لبنان، لأنه يجب تحقيق العدالة في الصحة، فهناك 60 في المئة يحصلون على تغطية صحية من جهات ضامنة، وهذا الواقع سيؤدي إلى تمييز بينهم.
وفي ألمانيا يَسري نظام بسمارك المبني على تمويل مشترك من الدولة والعامل ورب العمل، والمريض يدفع نسبة من قيمة الكلفة النهائية، لكن هذا النظام مخصص للأجراء فقط وما طُرح في الورشة هو لإصلاح صندوق الضمان، أما مشروع البطاقة الصحيّة فهو مخصص للذين ليسوا أجراء، فهؤلاء لا ينطبق عليهم أي نظام مطروح.

5- لكنّ وظيفة وزارة الصحة رسم السياسة الصحية في لبنان؟

■ الواقع الحالي مختلف، شئنا أو أبينا، ولا بد من تنظيمه، فقد تحول عمل وزير الصحة إلى توقيع معاملات استشفاء كأي مدير في شركة تأمين أو جهة ضامنة. فهناك 300 ألف حالة استشفاء تستفيد من الجهات الضامنة في مقابل 250 ألف حالة للوزارة. ويجب عدم الاسترسال في القول إننا ننشئ جهازاً يؤثر على المؤسسات الضامنة، لأنّ لدينا عدداً من المرضى يجب أن نتحكم بكل ما يتصل بمؤازرتهم، وبأي طبابة يحصلون... فهل إذا تركنا الفوضى يقوى صندوق الضمان؟ لذلك نعمل على تحويل هذا النظام إلى دائرة مستقلّة في الوزارة. وهذا المشروع يقوّي الضمان، لأننا حصرناه بالاستشفاء ولم نضع فيه أدوية أو فحوصاً خارجية، ويجب أن يكون طموح المنتسب إلى البطاقة الصحيّة تحويل تغطيته إلى صندوق الضمان، لا أن يبقى في الوزارة، والوزير فنيش مقتنع أكثر مني بهذا المشروع.

6- لكن قانون إنشاء الضمان الاجتماعي ينص على أنه يجب أن يبلغ مرحلة يشمل فيها اللبنانيين كافة؟

■ منذ اليوم الأول اقترحت تحويل كل الموازنات الصحية في لبنان نحو صندوق الضمان، لكن مؤسسة الضمان بتركيبتها الحالية لا تسمح بإدخال الفئات الاجتماعية التي لا تعمل. الصندوق لا يزال يستحوذ على النسبة نفسها تقريباً من المضمونين منذ 20 عاماً، وهو نظام غير فاعل يشمل عدداً من المديرين والنقابات وعشرات نقاط النفوذ التي لا تعمل إلا وفق «حكلّي تحكلّك». وعندما تُجرى الإصلاحات اللازمة للصندوق سيحوّل مشروع التأمين الإلزامي إليه ويندرج ضمنه كشريحة مستقلّة مالياً. لو نجح غيرنا في عمله لما كان لنا أي لزوم. فاليوم أنا أعمل مع وزير العمل محمد فنيش على مشروع تنسيب شرائح اجتماعية مستقلّة إلى الصندوق، وفي المجمل، فإن قانون الصندوق لا يسمح بضمان كل اللبنانيين.

7- لماذا لم يُعَدَّل القانون ليتلاءم مع هذا الأمر، علماً بأنكم تمثّلون جهة لديها حجم كبير في المجلس النيابي؟

■ لست وزيراً للضمان حتى أقوم بهذا الأمر الذي يحتاج إلى تعديل في كل بنية الصندوق، علماً بأن الجميع تناوبوا على سلطة الوصاية في الصندوق، ابتداءً من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأخيراً حزب الله، والوزير فنيش هو من أكثر الوزراء انفتاحاً على هذا المشروع تحديداً. وفي النهاية يجب أن يدمج هؤلاء الذين سينتسبون إلى التأمين الإلزامي في مؤسسة استشفائية واحدة.
ولا يجب أن ننسى أن من أهم الإصلاحات هو أن لا يُخلَط مسار التعويضات التقاعدية مع التقديمات الصحية كما هو حالياً في الصندوق.


85% أحسن