«أزمة البحرين» قشّة قصمت ظهر البعير... ومخاوف من دور لواشنطنالرباط ــ عمر نشابة
أعاد قرار السلطات المغربية في 25 شباط الماضي، القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، طرح التساؤلات عن خلفيات الخلاف التاريخي بين البلدين، وأثار مخاوف من احتمال اندلاع توترات مذهبية داخل أراضي المملكة. كما أنه أعاد التذكير بقضية اعتقال السلطات المغربية مراسل قناة «المنار» عبد الحفيظ السريتي قبل نحو عام، وبالتالي أقلق البعض من احتمال حدوث تغييرات في موقف الشارع المغربي تجاه حزب الله، وهو الشارع الذي عبّر عن تأييده لنهج المقاومة ضدّ إسرائيل، وذلك في مناسبتين: عدوان تموز 2006 على لبنان، ومجزرة غزّة في عدوان «الرصاص المصهور».
وقد أجرت «الأخبار» جولة على عدد من الأساتذة الجامعيين والسياسيين في الرباط، لجمع ما أمكن من معطيات لتبيان خلفيات الخلاف الإيراني ــ المغربي وجذوره، ولمحاولة فهم ما قد يؤدّي إليه قرار الرباط من تداعيات.
ورغم تحذير المستشار الملكي، محمد المعتصم، بعض التيارات السياسية الإسلامية من التواصل مع المسؤولين الإيرانيين، فإنه لم يتّخذ قراراً بحلّ أي جمعية معروفة بانتمائها للمذهب الشيعي في المغرب. وهنا يبدو جميع من التقتهم «الأخبار» مطمئنّين إلى أنّ السلطات المغربية لم تشر في أي من تصريحاتها التي أعقبت توقيف السريتي وعبد القادر بلعيرج (بتهمة نشر المذهب الشيعي) وآخرين، إلى ارتباط القضية بحزب الله.
وحتى بعد اتخاذ المملكة قرارها بقطع العلاقات مع إيران، لم تبرز أي خطوات سلبية تجاه أتباع المذهب الشيعي. ورغم أن البعض يضعون الخلافات المغربية ــ الإيرانية في إطار التوتر السني ــ الشيعي، فقد جزم وزير الخارجية المغربي، الطيب الفاسي الفهري، بأنّ العلاقات بين البلدين «قد تعود إلى طبيعتها إذا حلّت المشاكل القائمة بينهما».
ويبدو أحد الأساتذة الجامعيين في الرباط واثقاً بأنه «لا يمكن أن تكون رسالة البحرين سبباً لقطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران»، في إشارة إلى تصعيد المغرب من لهجته على خلفية تصريحات إيرانية رأت أن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية. ويذكّر الأكاديمي أن الأزمة الحقيقية تعود إلى «تراكم عناصر التوتر بين البلدين منذ الثورة الإسلامية» في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وبالعودة الى تلك الحقبة، فقد أسهمت ثلاثة محاور في خلخلة العلاقات الثنائية:
1 ــ توتر العلاقات خلال المرحلة الأولى التي أعقبت الثورة، وأبرز ما شاب تلك المرحلة ما ينقله البعض عن الملك الراحل حسن الثاني، عندما طلب من علماء الدين السنّة في المغرب، «تكفير» قائد الثورة آية الله الخميني.
2 ــ موقف الجمهورية الإسلامية من جبهة «البوليساريو»، والتقرّب من السلطات الجزائرية، رغم إعلان مسؤولين إيرانيين عديدين تجميد الاعتراف بـ«الجمهورية الصحراوية».
3 ــ الحفاوة التي استُقبل بها الشاه المخلوع، محمد رضا بهلوي، في المغرب، ومنح السلطات المغربية زوجته، فرح ديبا، تسهيلات للإقامة في جنوب البلاد.
وبحسب عدد من الأساتذة الجامعيين والسياسيين المغاربة، فإنّ أهم أسباب تأزّم العلاقات بين البلدين منذ 2004 تعود إلى «سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين لدى الرباط، وعلاقاتهم مع مجموعات إسلامية ناشطة وتنسيقهم معها».
وكانت طهران قد وجّهت دعوات إلى مسؤولين في حزب «العدالة والتنمية» وحركتي «التوحيد والإصلاح» و«العدل والإحسان»، وإلى عدد من الأساتذة الجامعيين في الدراسات الإسلامية، لزيارتها، بهدف حضور مؤتمرات وضعتها السلطات الملكية في خانة «مساعٍ لتمدّد النفوذ الإيراني وترسيخه».
ورافقت سيرة السلوك الدبلوماسي الإيراني لدى الرباط، أنباء عن ظاهرة «المدّ الشيعي»، وخصوصاً أنّ ذلك تلازم مع تأسيس جمعيات عرّفت عن نفسها علناً بأنها تنتمي إلى المذهب الشيعي، وذلك ابتداءً من عام 2007 في طنجة (الشمال) ووجدة (الشرق). كذلك، تزامنت هذه التطورات مع سجالات بين السفير الإيراني لدى الرباط، وحيد أحمدي، وأبرز دعاة المذهب السنّي المغاربة والنائب عن حزب «الفضيلة»، إمام مسجد الحمراء في الدار البيضاء الفقيه الزمزمي.
وكان أحمدي قد تدخّل لدى وزارة الداخلية المغربية لحثها على الترخيص لحزب «البديل الحضاري» الذي اعتقل مؤسسوه لاحقاً في شباط 2008 في قضية «بلعيرج»، أو ما بات يُعرَف باسم قضية «مراسل المنار».
وفي أرجاء المملكة، هناك من يفسّر قرار قطع العلاقات مع طهران بـ«ضغوط أميركية على المغرب». غير أنّ الكثير من المراقبين والسياسيين يرون أن هذا الكلام «غير مقنع»، إذ إنّ هذا القرار الدبلوماسي تزامن مع انخفاض حدة التوتر الأميركي ــ الإيراني. وتقوم حجّة من لا يزال متقنعاً بنظرية الضغوط الأميركية، على التأكيد بأنّ سياسة الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، تعتمد على الضغوط الدبلوماسية ضدّ ايران، من خلال الأنظمة العربية «المعتدلة»، ومن بينها المغرب والسعودية ومصر.
ويشير هؤلاء إلى أن البعد الجغرافي للمغرب عن إيران، وضعف النفوذ الإيراني في منطقة المغرب العربي، إضافةً إلى العلاقات المتشنّجة تاريخياً بين البلدين، وحسن العلاقات الإيرانية ــ الجزائرية، كلها عوامل تسهّل فهم قطع العلاقات.