رغم أنه لم يكن مفاجئاً الانتقاد الإسرائيلي الكبير لقرار محكمة الجنائيات الدولية فتح فحص أولي في ارتكاب جرائم حرب على أرض فلسطين، فإن المفارقة أن تل أبيب التي ارتكبت، ولا تزال، الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ترفض تدخّل المحكمة في هذه القضية، وتدّعي أن على الفلسطينيين أن يخافوا من هذه الخطوة.

في المقابل، فإن الفلسطينيين الذين تدّعي إسرائيل أنها تدافع عن نفسها من «هجماتهم واعتداءاتهم»، هم المؤيدون لخطوات المحكمة. وما دامت إسرائيل تعتبر نفسها في موقع الدفاع، فلماذا انتاب المسؤولين الإسرائيليين هذا المستوى من القلق من خطوة الفحص الأولية التي لا تعني شيئاً على المستوى القضائي بعد؟
على هذه الخلفية، أتى وصف رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قرار المحكمة بأنه «يمثل منتهى النفاق وقلباً لموازين العدالة»، ورأى أن مثل هذا القرار «يشرعن الإرهاب الدولي ويجعله يتمتع بالرعاية الدولية». وبشأن الموقف الإسرائيلي، أكد أن تل أبيب «ستحارب هذا القرار العبثي، بل سنجند جهات أخرى لمحاربته، وها هي قد أصبحت بالفعل تتحرك». وأضاف: «سوف نحمي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، لكن تكرار موقف الدفاع عن النفس يعيد التساؤل عن الدفاع لانتقاد خطوة المحكمة بهذا الشكل، وهو ما حاول الإجابة عنه بالإشارة إلى أن مكمن القلق الإسرائيلي هو أن ينعكس هذا القرار على معنويات ضباط وجنود الجيش وحافزيتهم.
وتابع قائلاً في جلسة الحكومة أمس: «لن نسمح بمحاكمة جنود الجيش أمام هيئة قضائية دولية»، منتقلاً إلى التأكيد على «تعزيز الدولة. وما نفعله على هذا الصعيد هو تعزيز الهجرة إلى البلاد... نعمل على إزالة العوائق أمام هجرة يهود فرنسا واليهود أينما كانوا.
على ناحية أخرى، قال نتنياهو إنهم سيطالبون «الدول المموِّلة للمحكمة الجنائية الدولية بقطع أو تقليص مساهماتها في عمل المحكمة». وفيما لم يحدد الدول التي سيخاطبها، أشارت الإذاعة الإسرائيلية إلى أن وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، سيقدم طلباً بهذا المعنى إلى نظيره الكندي الذي يزور الأراضي المحتلة حالياً. كذلك طلب نتنياهو تدخل الولايات المتحدة لدى «الجنائية الدولية»، لمنع إجراء تحقيق حول الوضع في الأراضي الفلسطينية، علماً بأن واشنطن أعلنت معارضتها قرار الجنائية الدولية.
وبينما قدّرت القناة أن «إسرائيل تغلي بسبب هذا القرار»، انطلق الوزراء الإسرائيليون للرد عليه، إذ قال ليبرمان، أمس، إنه «يجب تفكيك السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية والبحث عن بديل ملائم لها، بالتنسيق مع المجتمع الدولي». وأضاف: «من الضروري عزل رئيس السلطة (محمود عباس) لأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في السلام ما دام عباس على رأس السلطة».
كذلك هاجم وزير الأمن موشيه يعالون قرار المحكمة، واصفاً إياه بأنه «فاحش ومنافق ويعطي دفعة للإرهاب بدلاً من محاربته»، فيما طالب الوزير اليميني، نفتالي بينت، بإطلاق مشاريع استيطانية جديدة في القدس ومناطق الضفة، رداً على قرار الجنائية الدولية.
أيضاً، اعترض وزير المالية السابق، ورئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لبيد، على القرار، قائلاً إن «حماس منظمة إسلامية إرهابية تريد قتل الإسرائيليين، فماذا تفعل محكمة لاهاي مع حماس؟». أما رئيسة حزب «الحركة»، تسيبي ليفني، فقالت إن قرار الجنائية الدولية «يضر كثيراً بالأمن الإسرائيلي»، لكنها ألقت اللوم على نتنياهو، قائلة إنه كان بوسعه «منع التوجه الفلسطيني إلى لاهاي» لو استجاب لاقتراحها الصيف الماضي بمباشرة المفاوضات.
في غضون ذلك، قال وزير خارجية كندا، جون بيرد، إن توجه الجانب الفلسطيني إلى الجنايات الدولية «خطوة في الاتجاه غير الصحيح». موقف أدلى به خلال لقائه نظيره الفلسطيني رياض المالكي، أمس، وهو ما دعا محتجين فلسطينيين إلى رشق موكبه بالبيض.
في السياق نفسه، أكدت حركة «حماس» أنّها تدعم قرار «الجنائية» بفتح تحقيق «بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب». واعتبرت الحركة القرار «خطوة في الاتجاه الصحيح».
وبشأن الضغوط المالية، فإن حكومة الوفاق الفلسطينية أعلنت أنها ستصرف 60 في المئة من راتب كل موظف خلال الأسبوع الحالي، بعد تواصلها مع الدول العربية، إثر تجميد إسرائيل تحويل عائدات الضرائب التي تجبيها نيابة عن السلطة. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، إن السعودية دفعت حصتها من أموال شبكة الأمان العربية للسلطة الفلسطينية (60 مليون دولار)، ما مكّن الحكومة من صرف دفعة من رواتب الموظفين.
في المقابل، بدأ عدد من الوزارات في غزة، أمس، إضراباً جزئياً عن العمل، احتجاجاً على «قرارات حكومة الوفاق بشأن ملف الموظفين». ويشمل التعليق وزارات (الأشغال العامة، والعمل، والعدل، وشؤون المرأة)، وهي الوزارات الأربع التي يرأسها وزراء من القطاع.