تصل قضية الجندي الإسرائيلي الأسير، جلعاد شاليط، اليوم إلى محطة رمزية هي مرور ألف يوم على وجوده في الأسر، من دون أن يلوح في الأفق حل قريب لها، وسط تخوف من الانعكاس السلبي للحكومة الإسرائيلية الجديدة على الملف وصدور أصوات تدعو إلى تغيير المفهوم الذي يجري التفاوض على أساسه

■ «صدمة ياسين» تمنع نتنياهو من استكمال الصفقة مع «حماس»



محمد بدير
استبعدت مصادر سياسية إسرائيلية، أمس، أن يكون رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف، بنيامين نتنياهو، قادراً على الموافقة على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين رفض رئيس الوزراء الحالي، إيهود أولمرت، إطلاق سراحهم في إطار عملية التبادل.
ونقلت صحيفة «معاريف» عن المصادر نفسها القول «إن نتنياهو قد يكون قابلاً للابتزاز والضغط، إلا أنه لا يزال مصاباً بصدمة الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، التي تلاحقه منذ أكثر من عقد».
وأضافت المصادر أن «نتنياهو لن يتمكن من إطلاق سراح أسرى لم تطلق حكومة كديما وأولمرت سراحهم». ورأت أن نشر أسماء الأسرى الذين تطالب «حماس» بإطلاق سراحهم يكبّل الحركة الإسلامية أيضاً، «ولذلك فإن فرص التوصل إلى صفقة تبادل وفقاً للصيغة المطروحة حالياً ليست قائمة بالنسبة إلى نتنياهو».
في موازاة ذلك، أفادت تقارير إسرائيلية أن هناك أصواتاً بدأت ترتفع داخل المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل تدعو إلى تغيير طريقة التفكير في ملف الأسرى، وإلى وقف المفاوضات مع «حماس» بصيغتها الراهنة. ومن بين الشخصيات التي تتبنى هذا الطرح أعضاء رفيعو المستوى في طاقم المفاوضات التابع لهيئة أركان الجيش، الذين صرحوا أخيراً، خلال مداولات داخلية، بأن على رئيس الحكومة المقبل أن يوقف المفاوضات «لأنها وصلت إلى حائط مسدود ولأن المفهوم الذي ترتكز إليه قد أفلس».
وترى هذه الشخصيات أن الطريقة الحالية قد استنفدت نفسها وأنه «ينبغي كسر القواعد وهزّ الوضع القائم عبر ممارسة إجراءات استقوائية ضد حماس، أو كبديل، عبر إجراء سياسي مفاجئ مثل إطلاق سراح (أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية) مروان البرغوثي لمصلحة أبو مازن، إضافة إلى تفعيل روافع دولية».
وذكرت صحيفة «معاريف» أن المرشح لتسلم وزارة الدفاع في حكومة نتنياهو، موشيه يعلون، أعرب في أحاديث مغلقة عن رأيه في هذا الخصوص، وانتقد قرار أولمرت عدم طرح قائمة الأسرى التي أعدتها «حماس»على الحكومة للتصويت عليها، كما طالب البعض.
وأشارت الصحيفة إلى أن المؤيد الوحيد لإبرام صفقة التبادل وفقاً للصيغة الحالية هو رئيس أركان الجيش، الجنرال غابي أشكنازي. وبحسب الصحيفة، يرى أشكنازي، الذي لم يصرح عن موفقه علناً وإنما أعرب عنه في أطر بعيدة عن الإعلام، أن إسرائيل يمكن أن تسمح لنفسها بإطلاق سراح الأسرى الذين تطالب بهم «حماس»، رغم أنها قد تدفع ثمناً جراء ذلك في المستقبل، إلا أنه سيكون ثمناً يمكن تحمله.
ووفقاً لتصور أشكنازي، فإن «إسرائيل قوة عظمى إقليمية يجب أن تتنازل أحياناً، وعندما يكون الأمر متعلقاً بإعادة جندي إسرائيلي إلى الديار، فإن الثمن أمر جدير بذلك».
وفي السياق، أعلن والد الجندي جلعاد شاليط، نوعام، أنه سيفكك اليوم خيمة الاعتصام التي نصبها أمام مكتب رئاسة الحكومة في القدس المحتلة، معرباً عن استيائه من تضاؤل فرص الإفراج عن ابنه قريباً. وهاجم نوعام أولمرت، متهماً إياه بالفشل في استعادة ابنه وبأنه «لم يكترث يوماً اكتراثاً فعلياً لهذه القضية». وأضاف «لم أشعر يوماً بتفاؤل كبير، ولم أعتقد يوماً أنه سيتمكن خلال الأسبوعين الأخيرين من النجاح حيث فشل على مدى ألف يوم».
إلى ذلك، أجرت صحيفة «هآرتس» تقويماً لأداء حكومة أولمرت في ملف شاليط خلال الأسبوع الأخير، رأت فيه أنه يمثل «الذروة المؤقتة للإهانة». وكتب محلل الشؤون الأمنية في الصحيفة، أمير أور، أن «التركيز على 130 أسيراً فلسطينياً رفضت الحكومة الإسرائيلية إطلاق سراحهم هو تفاخر فارغ ومضلّل، في وقت خضعت فيه إسرائيل ووافقت على إطلاق سراح 320 أسيراً من أصل 450».
ورأى أورن أنه «بعد الفشل السياسي والفشل الحزبي والفشل الميداني المرتبط بالانتشار العسكري في محيط غزة، والفشل في إحباط عملية الخطف والفشل في تأهيل وحدة شاليط ضد عمليات الأسر، يبرز فشلان بائسان في الأيام الألف التي مرت على خطف شاليط: الفشل في إعداد الظروف لعملية إنقاذ تبقي شاليط على قيد الحياة، والفشل في خطف قادة من حماس يمكن إجراء مساومة أفضل لإطلاق سراح شاليط لقاءهم».
ورأى الكاتب أن «هذين الأمرين يعدّان إنجازاً كبيراً لحماس في ظلّ تشكّل انطباع وسط القيادة الإسرائيلية، وهو انطباع ليس معلوماً مدى صحته، بأن هذين الخيارين قد يسببان الضرر أكثر من الفائدة».
وخلص الكاتب إلى أن «قصة خطف واعتقال شاليط، حتى الآن، تمثّل العيّنة النموذجية المصغّرة لقصة إسرائيل في القرن الحادي والعشرين: مجتمع فقد صوابه وقدرته على تحديد الأولويات وتنفيذها ومؤسسة حكم تصرّ على إسقاط تصوّرها على الأعداء، ولذلك تفشل في مواجهتهم».

■ هكذا فشلت مفاوضات الأسرى
يحيى دبوق
نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، في تقرير طويل لمراسلَيها السياسيَّين، ناحوم برنياع وشمعون شيفر، تقريراً عن المفاوضات بين إسرائيل وحركة «حماس» بشأن بلورة صفقة تبادل أسرى لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير، جلعاد شاليط، التي انتهت أخيراً بجولة تفاوضية فاشلة «رغم التوقعات التي أثيرت في إسرائيل وتبين أنه لم يكن لها أساس في الواقع».
وأشار التقرير إلى «مسار تفاوضي طويل، بدأ بعد انتهاء حرب عام 2006 مع حزب الله. إذ اكتفت القيادة الإسرائيلية في الأيام العشرة التي فصلت عملية الأسر عن اندلاع المواجهة مع الحزب، بإطلاق رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت تصريحاً هو أقرب إلى الكذب، قال فيه: لن أجري مفاوضات مع حماس بشأن إطلاق سراح سجناء بصورة مباشرة أو غير مباشرة».
وذكرت الصحيفة أنه «في الثالث عشر من شهر آب 2006، عُيّن عوفر ديكل رئيساً للطاقم التفاوضي الإسرائيلي. وضم الطاقم رئيس قسم الأسرى والمخطوفين في الموساد، ورئيس قسم الأسرى والمخطوفين في وحدة الاستخبارات العسكرية (أمان)، ورئيس وحدة في الشاباك».
وبحسب الصحيفة، فإنه «في ختام الجلسة الأولى لأعضاء الطاقم، التي ترأسها رئيس الحكومة وشارك فيها وزير الدفاع إيهود باراك، فرض أولمرت الشروط التالية على الطاقم: لن تطلق إسرائيل عشرات المخربين في مقابل شاليط، ولا للتفاوض المباشر بين إسرائيل وحماس». إلّا أن ما اعترض عليه المجتمعون في تلك المرحلة هو تحديد الوسيط بين الطرفين إلى أن «وقع الاختيار على الدولة الأكثر ملائمة، وكانت مصر».
في 27 آب عام 2006، أقدمت إسرائيل على إجراء أول اتصال لها مع مصر، والتقى ديكل رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان في القاهرة. وفوراً، أمر الأخير «الوفد المصري الموجود في غزة بالشروع في مفاوضات مكثفة مع قادة الذراع العسكرية لحماس. وحقق المصريون نتائج مثيرة للاهتمام أسفرت عن اقتراح من حماس ينص على أن تطلق إسرائيل 1400 سجين مقابل شاليط. وضمت القائمة سجناء أمنيين من حملة الجنسية الإسرائيلية وأجانب، بينهم اللبناني سمير القنطار، إضافةً إلى إطلاق سراح كل السجينات وفتح المعابر. وفي مرحلة متأخرة، أعيد تضمين اللائحة أعضاء البرلمان والوزراء الفلسطينيين المعتقلين».
رفضت إسرائيل قائمة «حماس»، وأشارت إلى استعدادها لإطلاق سراح عشرين سجيناً، أضافت إليهم عشرة سجناء آخرين كبادرة حسن نية باتجاه مصر. وبحسب تقرير الصحيفة، «اعتقد أولمرت أنه لن ينحني أمام الإرهاب لكنه في النهاية اضطر إلى تغيير موقفه تماماً كما فعل من سبقه في المنصب». وأشارت إلى اعتقاده بنجاح التصلّب، «ففي حينه لاحت الآمال بالوصول إلى شاليط بالوسائل العسكرية، ولم يرَ أحد أن المعلومات التفصيلية الموجودة لدى الشاباك حيال كل منزل يعود إلى نشطاء حماس في غزة، لن تُمكّن من الوصول إلى المنزل الذي وضع فيه شاليط».
وفي تطور لاحق، تضيف الصحيفة، في كانون الثاني من عام 2007، «أعلمت إسرائيل مصر بأنها مستعدة لإطلاق سراح 450 سجيناً على دفعتين، على أن ينقل شاليط من غزة إلى مصر بعد المرحلة الأولى، وتقرّر لاحقاً أن ينقل إلى إسرائيل بدلاً منها. وبما أن حماس تشكك في إسرائيل، قبلت الأخيرة أن تقوم الحركة بإعداد القائمة شرط أن يكون من المتاح شطب الأسماء التي لا تقتنع إسرائيل بها». أرسلت الحركة الإسلامية «قائمة تضم 350 اسماً، بينهم 76 أجنبياً من سكان شرقي القدس. ولدى قراءة القائمة في إسرائيل، أصيبوا بالصدمة، إذ تضمنت القائمة قتلة حكم عليهم بسنوات طويلة جداً».
ووصولاً إلى التطورات الأخيرة في مسار التفاوض لبلورة صفقة الأسرى، أشارت «يديعوت أحرونوت» إلى أنه «في كانون الثاني الماضي، بدأت إسرائيل عملية الرصاص المصهور»، وتوقفت المفاوضات لتتجدّد بعد خروج قوات الاحتلال من غزة بناءً على طلب إسرائيل، فوافقت «حماس». وفي العاشر من آذار الحالي، «انتظر المصريون ديكل وطاقمه. وعشية توجه الطاقم إلى القاهرة، عقد أولمرت مداولاته وأمر الشاباك بزيادة قائمة السجناء الذين توافق إسرائيل على إطلاق سراحهم بصورة دراماتيكية. وكان العدد الجديد 210، 39 منهم للإبعاد و171 يخرجون إلى منازلهم».
وتشير الصحيفة إلى أن «المصرييين توجهوا إلى طاقم حماس التفاوضي وعادوا بأسئلة: من هم السجناء الذين سيخرجون للضفة، ومن سيجري إبعادهم إلى غزة والخارج. إلّا أن ديكل ردّ بالقول: أولاً أكملوا قائمتكم الـ450، وبعد ذلك ستحصلون على الإجابات. رفضت حماس وعاد ديكل إلى إسرائيل».
فور عودة الطاقم من القاهرة، التقى أولمرت في منزله، «الذي افترض أن هذه هي الفرصة الأخيرة له لا لحماس، ويجب عليه مواصلة المفاوضات حتى يخرج الدخان الأبيض. وقرر القيام بخطوة أخرى نحو حماس، فأجبر الشاباك على تصديق قائمة 325 سجيناً من قائمة حماس المحسّنة، وستة منهم من شرقي القدس، وأمر رئيس الشاباك يوفال ديسكن بأن ينضم إلى ديكل في رحلته الحاسمة إلى القاهرة».
يوم الأحد الماضي، بعد توجه الطاقم إلى القاهرة، فوجئ الإسرائيليون برد «حماس»، وخصوصاً أن «الطاقم الإسرائيلي اعتقد أن أتباع حماس جاؤوا لإجراء جولة تفاوضية (أخيرة) كي يتوصلوا إلى إبرام الاتفاق». وتابعت الصحيفة إنه «كان من المفترض أن يعود الوفد الإسرائيلي ليل الأحد من القاهرة، إلّا أن أعضاءه اعتقدوا أن المفاوضات تحتاج إلى مزيد من الوقت، وأن المصريين يرون اقتراحهم إيجابياً من جانب جزء من طاقم حماس. تحوّلت الأماني إلى حقيقة (في إسرائيل)، وكان الانطباع أن الصفقة قد أنهيت»، وهذا لم يحصل.