صفقة تجبر المستهلك على استصدار بوليصتين محمد وهبة
في 5 نيسان المقبل يكون قد مضى على بدء تطبيق قانون التأمين الإلزامي 6 سنوات. هذه الفترة كانت مشبعة بالتجارب المرّة وبقصص نهاياتها سيئة عن حوادث لم تغطِّها شركات التأمين، أو جرحى لم تستقبلهم المستشفيات لأنها غير متعاقدة مع الشركة المؤمِّنة، أو مصابين وجدوا أنفسهم في مستشفيات متعاقدة ليس فيها طوارئ. وقد تقاطعت روايات موثوق بها بين شركات التأمين ووزارة الاقتصاد والمستشفيات مؤكدّة تمنّع بعض الشركات عن تغطية المريض في انتظار خبير الحوادث ليحدّد مسؤولية الشركة التي يمثّلها في الحادث وحقوق باقي الأطراف، وفي حالات أخرى تبيّن أن الشركات أصدرت عدداً من البواليص لديها الرقم نفسه المسجّل في وزارة الداخلية!

طرق احتيال

لكن الفضيحة الأكبر تبقى كامنة في أن تطبيق القانون انطوى على صفقة «نتنة»، إذ أُلزم مالك السيارة على استصدار بوليصة التأمين الإلزامي حتى لو كان يمتلك بوليصة تشمل تغطية أكبر وأهمّ، كما أن المصارف التي سُمح لها بتعاطي نشاطات التأمين تُلزم من يحتاج إلى قروضها لشراء سيارة بإصدار بوليصة تأمين من عندها، تُضاف إلى بوليصة التأمين الإلزامي، وهذا ما جعل مالك السيارة يسدّد ثمن بوليصتَين، وغالباً ما يقع ضحية الفساد والفوضى، فلا يستفيد من أيّ منهما. ولذلك لا ينفي المعنيون بالملف أن المستهلك يدفع فاتورتين، ويعزو مسؤول تأميني السبب إلى «مخالفة المصارف للقوانين المعروفة عن التأمين المصرفي، إذ ليس لديها حق رفض أي بوليصة تأمين إلزامي، وعليها أن تحتسبها ضمن أي بوليصة تأمين تبيعها، لكنها لا تقوم بهذا الأمر وتبيع بواليص مدموجة بأصل وفوائد التمويل الذي تقدمه إلى الزبون... وهذه طريقة احتيال لإلزامه بعقد تأمين طيلة فترة الدين». إلا أن ما يسمّى الصفقة «النتنة» لا ينحصر في هذا الجانب، بل يعود إلى المراسيم التطبيقية التي سايرت مصالح شركات التأمين ومن يحميها عبر منحها أكثر من مليون بوليصة تأمين إلزامي على السيارات السياحية، من دون الأخذ بالاعتبار وجود بواليص تأمين أشمل لدى الكثير من أصحاب السيارات، وكل ذلك بهدف ضخ أرباح للشركات لا تقل عن 40 مليون دولار سنوياً.

ضرب نصب

وينسجم هذا الأمر مع كلام وزير الصحة محمد خليفة لـ«الأخبار» عن نتائج التأمين الإلزامي للسيارات، إذ يرى أنه «تنفيعة وضرب نصب»، فما جرى فعلياً هو «أن شركات التأمين أصدرت بوليصة فيها استنسابية التعاقد مع المستشفيات، مع أن هذه الحالة هي طوارئ والسيارة متحرّكة، وحكماً يجب أن تذهب الحالة الطارئة إلى أقرب مستشفى، وقد تعاقدوا مع مستشفيات ليس فيها طوارئ!». ويوافق رئيس المؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي انطوان شديد على هذا الأمر، مشيراً إلى أن شركات التأمين لديها اتفاقيات «مع القسم الأكبر من المستشفيات، فيما المستشفيات الأخرى لا تقبل التعاقد مع الشركات لإدخال المرضى إلى درجة الضمان إلّا بسعر معيّن»، فهل هناك ما يجبر المستشفيات على نوع الطبابة التي سيحصل عليها ضحايا الحوادث؟ وهل يمكن التفريط بحق المصاب بالحصول على العلاج بأسرع وقت؟

«على عينك يا تاجر»

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد أوضحت مصادر مسؤولة أن جهات رسميّة رصدت بواليص تأمين مسجّلة في وزارة الداخلية لديها الرقم نفسه ولكنها تغطّي أكثر من سيارة واحدة مما يثير الشكوك في قدرة هذه الشركات على تغطية الحوادث. ويشير هؤلاء إلى أن هذه البواليص تباع اليوم أمام مراكز المعاينة الميكانيكية «على عينك يا تاجر» بما يراوح بين 10 آلاف ليرة و20 ألفاً، أي أقل بما بين 55 ألفاً و70 ألفاً من كلفتها الرسمية، فيما تغطية الحادث غير مضمونة. وبحسب المصادر، «ليس هناك ضوابط، فبائعي البواليص هم سماسرة لا متخصصون كما يفرض القانون، وليس لديهم إجازة من وزارة الاقتصاد، وليس من مصلحة المنتفعين وقف هذه الدكاكين».
ويشير رئيس مجلس إدارة شركة تأمين معروفة وتابعة لمصرف كبير في لبنان، إلى وجود 6 شركات تأمين من أصل 35 شركة تعمل في بواليص السيارات تقوم بالأعمال المخالفة للقانون، مستغرباً كيف تباع هذه البواليص بقيمة 10 آلاف ليرة فيما عليها ضريبة نسبتها 11 في المئة، وطوابع، وبالتالي كيف تربح الشركة؟ والجواب هو أن هذه البواليص وهميّة وتباع الواحدة منها إلى أكثر من زبون.

فوضى التشريع والرقابة

وكنتيجة طبيعية لحالة الفلتان هذه بات المريض ضحيّة لهذه الفوضى، إذ لا يوجد ما يحدّد دور كل من شركة التأمين والمستشفى وهيئات الرقابة في عملية تغطية الحادث بطريقة أوّلية قبل أن يفصل الخبير بين المسؤوليات ويحدد القيمة المترتّبة على كل شركة، كما أنه لا يجري تحديد الجهة التي ستقع على عاتقها تغطية الكلفة إذا لم يكن لدى أي طرف في الحادث تأمين إلزامي. ويقول شديد إن اتفاقاً جرى قبل 5 سنوات مع وزارة الاقتصاد يقضي بأن تسلّف الشركات المستشفيات نفقات التطبيب بمعزل عن تحديد المسؤوليات، لكن هذا الأمر يحتاج إلى مرسوم تطبيقي لم يصدر حتى اليوم. وبالتالي تتعهد الشركات بتغطية الحوادث، ويدخل المصاب إلى المستشفى على عاتقها على أن يعاد توزيع الأكلاف بحسب المسؤوليات. لكن العقدة تكمن إذا لم يكن لدى السيارة أي تأمين، فمن سيدفع الكلفة؟
ومن أبرز المشاكل التي يعانيها الضمان الإلزامي للسيارات هي غياب أي تنسيق بين الوزارات المعنية (الاقتصاد، الداخلية، الصحة، المال) وضياع كبير في صلاحيات الرقابة، إذ هناك مصلحة شؤون هيئات الضمان في وزارة الاقتصاد، ثم أُنشئت لاحقاً لجنة الرقابة على هيئات الضمان من خارج ملاك الوزارة وتضاربت الصلاحيات وفي الواقع ليس لأحد صلاحيات تنفيذ إجراءات عقابية رادعة. وهذا يفترض العمل على إلزام المستشفيات بتغطية جرحى الحوادث، ومراقبة إصدار بواليص التأمين، لكن لا يمكن معالجة الأمر عبر مجلس الضمان التحكيمي فهو يعالج النتائج لا الأسباب.


440 ألف

هو عدد السيارات المسجلة في وزارة الداخلية ــ مصلحة السير، التي لا تحمل تأميناً إلزامياً، وربما لا تدفع رسوم الميكانيك أيضاً، وتبلغ نسبتها 36.6 في المئة من مجمل السيارات المسجلة، إذ هناك 1.2 مليون سيارة مسجلة منها، 760 ألفاً لديها تأمين إلزامي


مطلوبون