لم يكن احتفال القدس عاصمة للثقافة العربية حكراً على فلسطينيي الداخل. أبى اللاجئون إلا أن يعيشوا عودة، ولو إلكترونية، إلى بيت لحم والقدس، لمشاركة أشقائهم بهجة المهرجان الثقافي
قاسم س. قاسم
تقاطر الفلسطينيون من المخيّمات اللبنانية إلى مخيّم مار الياس. هم على موعد مع القدس عن بعد. على موعد مع عاصمة الثقافة العربية واحتفالية بيت لحم عبر الأقمار الاصطناعيّة. هكذا، ارتفعت في مخيم مار الياس الأعلام الفلسطينية واللبنانية من حافلات أقلّت اللاجئين من مخيماتهم الأخرى. ارتدت الفلسطينيات ثوبهن التراثي المطرّز، ووضعن الكوفيّات على أكتافهن استعداداً للبث المباشر، بينما وقف الأطفال على الكراسي يلوّحون بالعلم الفلسطيني.
ارتقت فرقة «حنين» التراثية الفلسطينية المنصة التي توسّطتها شاشتان كبيرتان، لتنشد النشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني. دقائق ويحين موعد إلقاء كلمة «رفيق الياسر، رفيق أبو عمار، الأخ عباس زكي»، كما قدّمه عرّيف الحفل. وقف ممثّل منظمة التحرير الفلسطينية على المنصة ليعلن من مخيم مار الياس أن «القدس متوّجة بأفضل عناوين الثقافة، الحضارة، الإنسانية. القدس هي عاصمة الثقافة العربية».
ومع أن كلمة زكي لم تكن منقولة إلى بيت لحم، إلا أن الرجل استغلّ المناسبة الثقافية ليوّجه رسائل سياسية. فاليوم تصادف أيضاً ذكرى «معركة الكرامة» عام 1968. فبهذه المعركة يقول زكي «كان انتصارنا جليّاً واستطعنا أسر دبابات إسرائيلية، ونحن لا ندّعي انتصارات تكون مذابح وتدميراً».
وترك زكي المنبر لأغاني الثورة «طالعلك يا عدوّي طالع»، التي رقصت على أنغامها سيدة ترتدي زياً تراثياً رافعة صورة الراحل ياسر عرفات، ليرتفع منسوب الحماسة مع ترداد الحاضرين الأغاني مع الفرقة، ورقص الشباب حاملين الأعلام. فجأة هدأ الشعور «الحماسي» لظهور الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الشاشات ليلقي كلمته، معلناً من بيت لحم بدء سنة «القدس عاصمة للثقافة العربية».
مع نهاية كلمة عبّاس، ظهرت على «شاشة بيت لحم» فرقة فلسطينية من الشبان والشابات أضاءت شعلة المناسبة على أحد الجبال المطلّة على القدس، ليلي ذلك ظهور فرقة الإخوة العوادين جبران عازفين كخلفية لصوت الراحل الكبير محمود درويش ملقياً قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».
في هذه اللحظة، رفع الآذان مختلطاً بصوت درويش والعود وصورة بيت لحم البعيدة القريبة. هل هو هذا الخليط الذي أبكى تلك النساء الحاضرات، اللواتي كنّ يمسحن دموعهن بأكمام أثوابهن؟ لا نعرف. ولكن لحظة التأثّر هذه انتهت بصعود الشاعر زاهي وهبي، ليلقي التحية على... «رئيس دولة فلسطين من بيروت والجنوب» عبر الأقمار الاصطناعية.
وألقى وهبي، الذي وهبه عباس الجنسية الفلسطينية، شعراً ذكّر فيه بأن فلسطين «هنا قبّة الله على الأرض/ ومهد طفولته الناطقة/ تذكر وأنت تتذكر ثمة الآن/ من يجلس على أريكة أبيك».
تعلّق إحدى الحاضرات ضاحكةً «مبسوط بالجنسية الفلسطينية؟ يجي يشوف وضعنا».
أما أحمد قعبور، فقد غنّى على طريقة البلاي باك أغنية «حق العودة» بمشاركة أطفال من دار الأيتام الإسلامية. ينتهي البث إلى بيت لحم ومنها. فجأة، يقف الجميع لحضور سلطان أبو العينين المتأخّر. لكنّ هذا الوصول يعيد فرقة حنين إلى المنصة لتغنّي «من أيام الثورة الفلسطينية نزولاً عند رغبة سلطان أبو العينين»، يقول عرّيف الحفل.