سكريّة: يجب تفعيل المختبر المركزي
محمد وهبة
استغرب الأمين العام لاتحاد موظفي وعمال محافظة بيروت توفيق المدهون، في بيان له أمس، المذكرة التي أصدرتها نقابة الصيادلة والقاضية بمنع الصيدليات من تقديم أي حسومات على فاتورة الدواء لأي مواطن، وذلك تطبيقاً لقانون مزاولة مهنة الصيدلة، ولا سيما المادة 80 منه التي تشير إلى أنه «لا يجوز بيع دواء في لبنان خلافاً لما هو مسجّل في هذا الدليل وبالسعر الرسمي المحدد من جانب وزارة الصحة العامة».
جاء هذا الأمر ليشير إلى خلل ما في بنية التعاطي مع هذا الأمر الحيوي، إذ إن التشدد في تطبيق هذا القانون تفيد حجّته في أن التساهل في أسعار مبيع الدواء يشجّع على تهريبها وتزويرها وتقليدها، ولذلك يقوم مفتشو وزارة الصحة بدوريات على الصيدليات لوقف كل «مخالفة» في بيع الأدوية بأقل من سعرها الرسمي المحدد من جانبها، وبالتالي يحرم الفقير أي حسم على فاتورة دوائه هو في حاجة ماسة إليها.

خلل في التشريع والمراقبة

يعتقد سكريّة أن هناك خللاً في القانون والتشريع، فيما تغيب المراقبة العلميّة والمخبريّة في ظل نظام تسعير غير عادل، إذ كيف يمكن التأكد من أن الدواء الذي يباع بالسعر الرسمي وفي الصيدليات غير مقلّد أو غير مهرّب أو غير مزوّر، ولا سيّما أن هناك تجارب سابقة في هذا المجال كانت بمثابة فضيحة، إذ تبين أن بعض المستشفيات استخدمت أدوية مزوّرة وغير طبيّة، فاستعملت عبوات ماء وحبوب فيها طبشور بدلاً من المواد التي تعالج مرضى السرطان أو حبوب الدواء المضاد للالتهابات... وهل يؤدي بيع الدواء بالسعر الرسمي إلى وقف التهريب أم أنه يزيده؟ ويضيف إن قرارات كهذه تتّخذ من دون أن يكون هناك مختبر مركزي للدواء يصدّق أو يرفض تصديق دخول دواء من دون آخر.
ويلفت إلى وجود كثير من الأدوية المسجلة في وزارة الصحة بسعر مرتفع أعلى بكثير مما تباع في دول مجاورة وحتى في دول أوروبية، وبالتالي فإن سعرها غير عادل «بسبب نظام التسعير المعتمد»، علماً بأن تطبيق هذا القانون يعالج نتائج المشكلة لا أسبابها الجوهرية، أي إنه يمنع المبيع بسعر منخفض لمكافحة المشكلة بدلاً من أن يحاول تحسين نظام التسعير وتسجيل الدواء ومراقبته، فبدلاً من التشدّد في المراقبة ومنع التهريب ومكافحة مصادر التزوير والتقليد يجري اجتزاء تطبيق القانون والمصلحة العامة.

تحديد سقف

وبحسب بعض أصحاب الصيدليات العاملة في مناطق مختلفة في لبنان فإنه يمكن خفض أسعار بعض الدواء وتحقيق ربح مقبول عليها، كما أن غالبية زبائنها تحصل على مثل هذه الحسومات التي تحاول النقابة منعها، إذ إن هناك بعض الزبائن من محدودي الدخل والفقراء جداً وفقاً لما يعرف عنهم في محيطهم السكني ولديهم أمراض مزمنة وأدويتها مرتفعة الثمن، وبالتالي يحتاجون إلى بعض الحسومات التي يمكن الصيدلي أن يؤمّنها على حساب ربحه. ولذلك يعتقد هؤلاء أنه كان على وزارة الصحة العامة أن تضع سقفاً للأسعار يمنع مبيع الدواء بأسعار تتجاوز الأسعار الرسمية وأن تترك الخيار للصيدلي ليبيع بسعر أرخص لبعض زبائنه.

قرارٌ ملهاة

ويعتقد المدهون أن دبيبو «تلهّى» بهذا القرار «المفتعل والمجتزأ» لمدة أسبوعين، فيما كان يمكنه الالتفات إلى قضايا أكثر خطورة يغرق فيها قطاع الدواء الذي يمثّل ثلث الفاتورة الصحيّة في لبنان، وبالتالي «كان الأحرى بنقيب الصيادلة أن يفتح ملف الدواء على مصراعيه من خلال إلقاء الضوء على الأدوية المغشوشة في سوق الدواء إذ ليس هناك رقابة صيدليّة أو طبيّة لا من النقابة ولا من الوزارة، كما كان يجدر بالنقيب أن يلتفت إلى مسألة فقدان أدوية الأمراض المستعصية من وزارة الصحة، أو شحّها والإذلال الذي تتعرّض له هذه الفئة من المواطنين، لا منع الحسومات عن مثل هذه الأدوية في الصيدليات حيث يبلغ سعر البعض منها مئات ألوف بل ملايين الليرات».
ويرى المدهون أنه كان يجب على دبيبو أن «يطرح التوسّع في استعمال أدوية الجينريك، التي باتت تُستخدم في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بنسبة تصل إلى 80 في المئة، وبأسعار تقلّ أضعاف أضعاف عن سعر الأدوية المسجلة تحت اسم الماركات العالمية، علماً بأنّ لها التركيبة والفعالية نفسهيما، ولا تحتاج إلا إلى لجنة فنيّة للإشراف على مواصفاتها... وكان الأفضل للنقيب أن يطرح مسألة احتكار سوق استيراد الدواء من جانب حفنة من أصحاب الشركات التي أطاحت يوماً الوزير إميل البيطار عندما حاول استعادة واجب الدولة في قطاع الأدوية».