محمد بديرتمكّن رئيس حزب «العمل»، إيهود باراك، أمس، من انتزاع موافقة حزبه على الانضمام إلى حكومة بنيامين نتنياهو، مزوداً إياها بغطاء «الاعتدال»، الذي تحتاجه لحجب تطرفها اليميني على المسرح الدولي. ومع نجاح باراك في حسم معركة ليّ الأذرع التي خاضها داخل حزبه في مواجهة معارضة شرسة لخطوته، يكون قدم لنتنياهو الائتلاف الذي سعى مطوّلاً إليه، من دون أن يفلح في إنجازه مع حزب «كديما». وبذلك أصبح نتنياهو يملك غالبية من 66 من مقاعد الكنيست الـ120، وهي: 27 مقعداً لحزبه «الليكود» و15 مقعداً لحزب «إسرائيل بيتنا» و13 لحزب «العمل» و11 لحزب «شاس» الديني المتشدد.
ورغم الثمن الكبير والمغري الذي حصل عليه باراك من نتنياهو لقاء مشاركته في الحكومة، والذي بلغ ثمانية مناصب رفيعة، بينها خمس حقائب وزارية، إلا أنه دفع في المقابل ثمناً باهظاً تمثّل في التصدع الذي أصاب حزب «العمل» في ظل الانقسام الحاد الذي تشهده مؤسساته، وخصوصاً كتلته البرلمانية المهددة بحصول انشقاقات، أو حالات تمرد على أقل تقدير.
وفي جو عاصف ارتفع مستوى التوتر فيه إلى حدوده القصوى، أقرّ مؤتمر حزب «العمل» عصر أمس مشروع اقتراح تقدم به رئيس الحزب يتضمن اتفاقاً ائتلافياً مع حزب «الليكود»، كان قد وُقِّع عليه بالأحرف الأولى قبل انعقاد المؤتمر بساعات معدودة. وحصل الاقتراح على غالبية 680 صوتاً في مقابل 507 أصوات معارضة، أي بفارق نحو 15 في المئة من أصوات المشاركين في الاجتماع الطارئ لمؤتمر الحزب.
وساد المؤتمر تجاذب حاد وتبادل في الاتهامات بين معسكر باراك، الذي يضم كلاً من عضوي الكنيست بنيامين بن إليعازر وشالوم سمحون ورئيس الهستدروت عوفر عيني، والمعسكر المعارض الذي يضم أعضاء الكنيست عامير بيرتس وأوفير بينيس وشيلي يحيموفيتش وسكرتير الحزب إيتان كابل.
وحاول باراك، في كلمته التي ألقاها في اجتماع المؤتمر، إقناع أعضاءه بضرورة المشاركة في الحكومة عبر تأكيد أن «العمل» سيكون «وزناً مضاداً لليمين في الحكومة اليمينية»، نافياً مقولة أن «العمل» سيكون «ورقة التوت» لحكومة كهذه.
وخاطب باراك معارضيه بالقول: «من يعتقد أن الأكثر صحة هو أن نبني حزب العمل كعجلة خامسة في المعارضة لا يفهم عما يتكلم»، لافتاً إلى أن «العمل» سيكون «مشاركاً في العملية السياسية الإقليمية مع كل الجيران، حتى مع الفلسطينيين».
أما المتحدثة الأكثر حماسة باسم المعارضين للمشاركة في الحكومة، شيلي يحيموفيتش، فهاجمت باراك بالقول: «إن مطاردة الكراسي كلفتنا غالياً، كلفتنا خزياً وعاراً، وفي الانتخابات المقبلة لن يكون لنا ممثلون» في الكنيست. وحذرت من أنه إذا شارك «العمل» في الحكومة «فسنكون هامشاً فائضاً، لأن هذه الحكومة هي حكومة بيبي، وليبرمان وشاس».
وكان الكلام الأقسى هو الذي وجهه أوفير بينيس إلى باراك قائلاً له: «لقد فقدت الزعامة، فأنت لم تتلقّ تفويضاً لرمي حزب العمل في مزبلة التاريخ».
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه بعد صدور نتائج التصويت، هاتف نتنياهو باراك وهنأه بفوزه في الصراع الداخلي في «العمل» وباستجابته لدعوته إلى «الانضمام إلى حكومة وحدة تقود الشعب في هذه الفترة المصيرية». وعقب عامير بيرتس على النتائج بالقول إنه «نشأ وضع جديد في الحلبة السياسية وسنجتمع ونقرر، لكننا نحترم القرار إلا أننا سنعمل وفقاً لقيمنا سواء في الكنيست أو في الحلبة العامة».
وسبق انعقاد المؤتمر توقيع حزبي «العمل» و«الليكود» بالأحرف الأولى على اتفاق ائتلافي بينهما بعد لقاء عقد بين باراك ونتنياهو وضع اللمسات الأخيرة عليه. وحصل حزب «العمل» بموجب الاتفاق على خمس حقائب وزارية بينها الدفاع، التي سيتولاها باراك، إضافة إلى حقائب الصناعة والتجارة، والرفاه، والزراعة، ووزير مسؤول عن «شؤون الأقليات»، إلى جانب منصبي نائبي وزيرين، ورئاسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست البالغة الأهمية التي غالباً ما يحتفظ بها الحزب الحاكم لنفسه.
وفي المجال السياسي، نص الاتفاق على أن تسعى الحكومة برئاسة نتنياهو إلى «بلورة اتفاق إقليمي شامل للسلام والتعاون في الشرق الأوسط». كما نص على التزام إسرائيل بكل الاتفاقيات السياسية والدولية التي وقعتها حكوماتها السابقة، وأن تعمل الحكومة على تحقيق اتفاقيات سلام مع كل واحدة من جيرانها. كذلك شمل الاتفاق بنداً ينص على أن يكون وزير الدفاع، باراك، شريكاً كاملاً في العملية السياسية وفي أي هيئة مقلصة للبتّ في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.
أما البند السياسي الأخير، فتحدث عن سعي الحكومة إلى فرض القانون على كلٍّ من البؤر الاستيطانية العشوائية، والبناء غير القانوني للفلسطينيين في الضفة الغربية. كذلك تضمن الاتفاق شؤوناً اقتصادية واجتماعية.