الملكيّة والربح العقاري لا يخضعان للضريبةمحمد وهبة
لا تأتي الطاولة المستديرة التي انعقدت أمس في السرايا الحكومية بعنوان «الأثر التوزيعي للإصلاحات الضريبية في لبنان» من العدم، بل هي نابعة أساساً من محاولات حثيثة يقوم بها وزير المال محمد شطح، بدعم من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، لتحويل النظام الضريبي في لبنان من الضريبة على المداخيل إلى الضريبة على الاستهلاك وذلك ضمن رؤية أعلنها مساء أول من أمس أمام مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين. إذ أسرّ بعضهم لـ«الأخبار» بما أبلغهم به شطح عن سعيه وعزمه على إجراء هذا التغيير في السياسة الضريبية بهدف وقف العمل بالضرائب على الدخل وزيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA) إلى 16 في المئة.

ضريبة على المغتربين

وجاءت هذه الطاولة المستديرة التي نظّمتها وزارة المال بالتعاون مع المركز الإقليمي للمساعدة الفنية للشرق الأوسط التابع لصندوق النقد الدولي، لتسويق هذه الرؤية المبنيّة على نظريّة «الحفاظ على الاستثمار والادّخار والتخفيف عن محدودي الدخل»، فقد لمّحَ شطح إلى ضرورة وجود بديل لإيرادات قطاع الاتصالات، ولا سيما الخلوي لأن أعباءه تقع على المستهلك، إذ إن كلفة الاتصالات أكبر بـ6 مرات من الكلفة الموضوعيّة الحقيقيّة، وهذا يرتّب كلفة مرتفعة على الاقتصاد الوطني.
ولذلك يرى أن المفاهيم السائدة عن الضرائب غير المباشرة ليست صحيحة، «فالضريبة على الاستهلاك لا تصيب ذوي الدخل المحدود»، لافتاً إلى أن «الضريبة على الاستهلاك أو ضريبة الـ TVA تتيح مشاركة أكبر للبنانيين الموجودين خارج لبنان، وهي أكثر عدالة من ضرائب الدخل»، واقترح وضع ضريبة على إنفاق المغتربين في لبنان واستهلاكهم، إذ إن دخلهم أعلى من دخل المقيمين بحوالى 4 مرات، وبالتالي يجب أن يتوسع التوزيع الضريبي إلى «لبنان الكبير».

توزيع خاضع للدين

وفي كلمة الافتتاح، كان السنيورة قد شدّد على الأخذ في الاعتبار الدّين العام كعنصر مؤثّر على التوازن والعدالة في توزيع الأعباء المالية والضريبية. فيما انتقد «الأب الروحي» لما يسمّى الإصلاحات الضريبية التي جرت منذ 1991، وهو خبير الشؤون الضريبية في صندوق النقد الدولي عبد المنعم عبد الرحمن، القائلين بأن هذه الاصلاحات أسهمت في زيادة فقر الفقراء أو زيادة ثروة الأثرياء، مشيراً إلى أنها «أدّت إلى تسهيل تدفق الاستثمارات ورفعت الأعباء عن الفقراء ومحدودي الدخل، وزادت الدخل القومي العام أكثر بنسبة 20 في المئة من الناتج القومي المحلي، مستنتجاً بأن التقسيم بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة وأثر كلّ منهما على الشرائح الاجتماعية هو «تقسيمٌ اعتباطيٌ ليس علمياً صحيحاً».
واستكمالاً لهذه الرؤية، أوضح الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر أن العبء غير الضريبي على مجتمع الأعمال كبير جداً، مشيراً إلى أن توزيع الضرائب عبر الإنفاق هو أصحّ لأن المحتوى التوزيعي في النفقات أوسع من المحتوى نفسه في المداخيل، ولحظ دور المحاصصة الطائفية التي خرّبت الأثر التوزيعي للضريبة.

نقدٌ واسع

هذه الأفكار كانت محط نقد واسع من المعقّبين: المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني والخبير الاقتصادي كمال حمدان، فقد أوضح بيفاني أن وظيفة الضريبة على القيمة المضافة ليست إيجاد العدالة الضريبية، بل من خصائصها ومميزاتها تشجيع الادّخار والاستثمار، ووضع الملاحظات الآتية:
ــ الإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة لا تأخذ في الاعتبار المفاعيل الارتدادية للضريبة، إذ إن إعفاء المواد الغذائية لا يحيّدها عن الضريبة المفروضة أيضاً على البنزين، «وبالتالي فإن النظام لا يأخذ في الاعتبار الأسعار المرتدة».
ــ بالنسبة إلى الإعفاءات التي تخصّ الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، فهي فعلياً بمثابة دعم للمستفيدين ذوي الدخل المرتفع، إذ إن ذوي الدخل المحدود غير معنيين أساساً بالخدمات المُكلِفة لأنهم بعهدة الدولة في هذين المجالين، وبالتالي يجب إلغاء هذا النوع من الإعفاء.
وأوضح أن «ضريبة الدخل ليست ضريبة على العامل وليست على رب العمل، بل هي فعلياً ضريبة على العمل، وبالتالي «نحن نمارس الضرائب على مداخيل العمل وعلى مداخيل رؤوس الأموال المستثمرة، ونعفي جزئياً أو نخفض الضريبة على مدخول رؤوس الأموال الماليّة ومداخيل الاستثمارات العقارية، إذ ليس هناك ضريبة على الربح العقاري».
ــ النظام الضريبي الحالي لا يكلّف فعلياً المقيم في لبنان على مداخيله من الخارج، وهذا قد يطال إذا طبّق ذوي المداخيل المرتفعة وعدم وجود هذا النوع من الضرائب هو عنصر ضعيف في النظام.
ــ النظام القائم يشجع على الهروب من القطاع المنظّم إلى القطاع غير المنظّم الذي لا يتحمل أي ضريبة، ولذلك مطروح الاستعاضة عن المساهمات للصحة بنظام صحّي مموّل من الضرائب مباشرة.

استسهال الـ TVA

ويرى حمدان أن النظام الضريبي الحالي للبنان قائم على ضريبة متواضعة وبسيطة وقليلة التصاعدية على الأجور، في مقابل ضريبة على الشركات هي الأدنى في العالم، فيما لا تخضع الملكية العقارية للضريبة باستثناء الأملاك المبنية، وليس هناك ما يثبت بأن هذا النظام يشجع الاستثمار. ولفت إلى ارتفاع ضريبة الدخل 30 ضعفاً نسبة إلى الأجور، بينما الإصلاحات الضريبيّة أفادت منها الأرباح أكثر.
وأعرب عن خشيته من استسهال الضريبة غير المباشرة، إذ إن العلاقة بينها وبين الإصلاحات وتحفيز الاستثمارات غير أكيدة، فيما يقبع لبنان ضحية احتكارات قلّة، وبالتالي يجب البحث عن خيارات أكثر جذريّة. والسبب برأيه أن الوضع بالنسبة إلى الضريبة على الملكيّة يوحي بأننا قادمون على أيام أسوأ. فالأسعار ترتفع ارتفاعاً عشوائياً بين ليلة وضحاها، وهناك استسهال للضريبة على الاستهلاك، كذلك فإن الضريبة على الدخل لا تطال الدخول المرتفعة.


150 في المئة

هو معدل نمو الضريبة منذ 1994 حتى 2004 في مقابل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 في المئة، فيما الضرائب تمثّل 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي اليوم وهو بين أعلى المعدلات في المنطقة، في مقابل 6 في المئة في مطلع التسعينيات


الأثر الفعلي لتصحيح الأجور