لن يكون ملف العراق حامياً في القمة العربية المقبلة، في ظل ازدحام الملفات الظرفيّة. لكن الجميع يعوّل على المتغيرات على الساحة العراقيّة، التي قد تسمح بإعادته إلى هويته العربية، بعد سنوات الاحتلال والتدخل الخارجي
بغداد ــ زيد الزبيدي
للعراق، قصة طويلة مع العروبة تاريخياً. كان مهدها وحاميها والطليعي في قيمها وعسكرها وثرواتها ومموّل العديد من حركاتها التحررية. ثمّ تحوّل إلى عدوّ لعدد كبير من دول المنطقة أيام نظام صدام حسين بعدما احتلّ الكويت «واغتصب أمن الخليج». كل ذلك رغم أنه أدّى قبلها، دور السدّ المنيع للعرب في وجه «الغول الفارسي». سدّ كلّف البلاد ما كلّفه من ضحايا وخسائر في الأرواح والأموال والسياسة والمستقبل، في حرب دامت 8 سنوات.
وفي عام 2003، أتى الاحتلال الأميركي، وعاد معه النفوذ الإيراني، ليعيدا خلط الأوراق بالكامل. باتت العروبة أشبه بفيروس يتهرّب الجميع من حمله. عاد مجد من لا يحمل العروبة في الدم من العراقيين (الأكراد). والأهم أنّ معادي العروبة في السياسة ارتفعت أسهمهم.
اختلف موقع وهوية ودور العراق منذ نكبة الاحتلال. كذلك، اختلفت نظرة العرب، ممثلين بجامعتهم غير الجامعة، إليه. مقاطعة هؤلاء للدولة العربية المحتلة دامت 5 سنوات، كان على العالم انتظار مضيها حتى تعود أعلام بعض دول الجامعة للارتفاع فوق سفاراتها في بغداد.
تغيّر الكثير من المعطيات في عراق ما بعد 2003، وخصوصاً من ناحية هويته العربية. فبين الولاء للشرق الفارسي والغرب العربي، كان الاختيار، ولا يزال، صعباً.
والنتيجة، عراق هجين، مقسّم في الداخل وفي النظرة تجاه الخارج القريب والبعيد. عراق حُذفَت من دستوره عبارات كانت تدلّ على انتمائه الأصيل إلى العروبة. عراق يدرك أنه من النواحي المصلحية والسياسية والقومية عاجز عن الاستمرار من دون محيطيه العربي والفارسي.
وفي القمة العربية السابقة، التي انعقدت في دمشق أواخر شهر آذار من العام الماضي، تحفّظ الوفد العراقي على البند المتعلق ببلده. حينها تضمّن البيان الختامي تأكيد «الالتزام بمبدأ المصالحة الوطنية، وقرارات المؤتمرات العربية، ووضع حدّ للتدخلات الخارجية، (وخصوصاً الإيرانية منها) والعمل على إنهاء الاحتلال». ولعل أكثر ما أثار غيظ الوفد العراقي، هو التعرض «للاحتلال» وللتدخلات الإيرانية. وأكثر ما كان معبّراً، هو تحفُّظ وفد «الائتلاف الموحد» على الفقرات المتعلقة بالجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران، في المؤتمر البرلماني العربي الذي استضافته أربيل، عاصمة إقليم كردستان غير العربي، والذي بنى حاكمه، مسعود البرزاني، الجزء الأكبر من رصيده على حساب معاداة (الحكام) العرب.
من المعروف أن الدستور العراقي الحالي، الذي وضعه بالأساس الطرفان «الشيعي والكردي»، لا ينص على عروبة العراق، وحذفت منه كل العبارات التي تشير إلى أنه «جزء من الوطن العربي»، ومن الأمة العربية، وتمت الاستعاضة عنها بعبارات مطاطة تختصرها «العراق جزء من العالم الإسلامي، وعضو في جامعة الدول العربية».
وبين قمتي دمشق والدوحة، تغير اتجاه البوصلة العراقية، وخصوصاً بعد توقيع الاتفاقية الأميركية ـــــ العراقية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، ما دفع بالولايات المتحدة إلى التفكير جدياً بتقليص وجودها العسكري، و«ترشيد» نفقاتها. وفي الوقت نفسه، عدم ترك «فجوة للتمدد الإيراني»، من خلال الدفع باتجاه إعادة إحياء التيار العروبي، الذي ظهر المالكي كأنه متحدث رسمي باسمه.
ومن بين ما تغيّر بين القمتين، انتشار «مجالس الإسناد» العشائرية، عربية الطابع، التي جوبهت بمعارضة شرسة من قبل «المجلس الأعلى الإسلامي» والتحالف الكردستاني، والعودة إلى تنمية النزعة القومية العربية، بما في ذلك مدّ الخيوط مع أطراف سياسية في الداخل والخارج، ومن ثم تتويج ذلك بانتخابات مجالس المحافظات، التي يضعها المراقبون في خانة إعادة فوز «العروبيين».
ويرى المراقبون أنّ الجهود المبذولة لإعادة العراق إلى الحضن العربي، هي ما كانت يطالب به العديد من الجهات العراقية، السياسية والمسلحة، فيما كانت الحكومات المتعاقبة في عهد الاحتلال، ضد أي «تدخل» عربي، حتى لو كان هذا التدخل من باب الإصلاح والمصالحة، ما أدى إلى الضرب بمؤتمرات القاهرة ومكة وغيرها عرض الحائط.
يبقى أكيداً، أنّ العراق لن يكون ملفه حامياً هذه المرة، أمام سخونة المصالحات العربية، ونيران الملف السوداني ومذكرة توقيف رئيسه، ولهب الاحتراب الفصائلي الفلسطيني والهدنة اللبنانية ومبادرة السلام العربية.
لكن هناك أسئلة محيّرة من نوع: ماذا سيكون موقف الوفد العراقي لو طرح موضوع «عروبة العراق»، كما يطرح موضوع عروبة الجزر الإماراتية؟ وهل من الممكن قبول دولة في مجلس التعاون الخليجي، لا ينصّ دستورها على هويتها العربية؟